وغير خفيٍّ أنّ قمر بني هاشم مُلتقى ذينك الطرفين ، في البصيرة واليقين ، في دينه وعقله ، في معارفه وأخلاقه ، في حلّه وارتحاله ، وكان ينظر إلى جملة الأحوال بين البصيرة التي تخرق الحُجب ، وتُبصر ما وراءها من أسرار وخبايا ، لا بناظر البصر الذي تحجبه الحواجز وتمنعه السّدول ، فيردّ عن الإدراك خاسئاً ، فلا يكون أمر تهالك دونه إلاّ بعلم ثابت ويقين راسخ ، وإيمان لا يشوبه شكٌّ ؛ فإنّه :
سِرُّ أبيهِ وهَو سرُّ البَاري |
|
مَلِيكُ عَرْشٍ عَالِمُ الأسرارِ |
وارِثُ مَن حَازَ مَواريِثَ الرُسلْ |
|
أبَو العُقُولِ والنّفُوسِ والمُثُلْ |
وكَيفَ لا وَذاتُهُ القُدْسيَّهْ |
|
مَجمُوعةُ الفَضائِلِ النّفسيَّهْ |
لقد كان أبو الفضل يعرف العراقيّين ونزعات أهل الكوفة ، منذ عهد أبيه وأخيه السّبط المجتبى عليهماالسلام ، بالتجارب الصحيحة ، وإنّهم تجمعهم الأماني وتُفرّقهم الرضائخ ، ويُشاهد الاُمويِّين وقوّة سلطانهم ، وتوغّلهم في إراقة الدماء ، وبطشهم في النّاس ، وطيشهم في الاُمور ، ويرى ضعف جانب (أبيِّ الضيم عليهالسلام وقلّة أنصاره ، وطبع الحال يحدو مثله إلى التحيّز إلى فئة اُخرى ، ولا أقلّ من التقاعد عن أيّ الفريقين ، وما كان مثله لو سالم الاُمويِّين يعدم ولاية أو قيادة لجيوشهم ، أو عيشة راضية يقضي بها أيّامه.
(لكنّ عباس اليقين) لم يكن له طمعٌ في شيء من حطام الدُّنيا ، فلم يرقه إلاّ الالتحاق بأخيه سيّد الشهداء عليهالسلام ، موطِّناً نفسه الكريمة لأي كارثة أو شدّة مؤلمة.
هذا والتَّكهّن بمصير أمر الحسين عليهالسلام في مسيره نصب عينه ، والمغّيبات المأثورة عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين عليهالسلام ، والمسموعات من