الماء. ثُمّ صاح نافع بأصحابه : املأوا قربكم. وشدّ عليهم أصحاب ابن الحجّاج ، فكان بعض القوم يملأ القرب وبعضٌ يُقاتل ، وحاميهم (ابنُ بجدتها) مُسدّد الكماة ، المُتربِّي في حجر البسالة الحيدريّة والمُرتضع من لبانها (أبو الفضل) ، فجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين مَن تُحدّثه نفسه بالدنوِّ منهم ؛ فرقاً من ذلك البطل المغوار ، فبُلّت غلّة الحرائر والصبية الطيِّبة من ذلك الماء ، وابتهجت به النّفوس (١).
ولكنْ لا يفوت القارئ معرفة : إنّ تلك الكميّة القليلة من الماء ما عسى أنْ تُجدي اُولئك الجمع الذي هو أكثر من مئة وخمسين ، رجالاً ونساءً وأطفالاً ، أو أنّهم ينيفون على المئتين على بعض الروايات؟! ومِنَ المقطوع به أنّه لم تروِ أكبادهم إلاّ مرّة واحدة ، أو أنّها كمصّة الوشل ، فسرعان أنْ عاد إليهم الظمأ ، وإلى اللّه سبحانه المُشتكى.
الثاني : كان أصحاب الحسين عليهالسلام بعد الحملة الاُولى التي استشهد فيها خمسون ، يخرج الاثنان والثلاثة والأربعة ، وكُلٌّ يحمي الآخر من كيد عدوّه ، فخرج الجابريان وقاتلا حتّى قُتلا ، وخرج الغفّاريان فقاتلا معاً حتّى قُتلا ، وقاتل الحُرُّ الرياحي ومعه زهير بن القَين يحمي ظهره حتّى فعلا ذلك ساعة ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم ، شدَّ الآخر واستنقذه حتّى قُتل الحُرُّ (٢).
وفي تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٥ : إنّ عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه ، وجابر بن الحارث السّلماني ، ومجمع ابن
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٤٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف / ١٦٠.
(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٣١٢ ، مقتل الحسين لأبي مخنف / ٩٨.