لا أقرأ هذا الحديث إلاّ ويأخذني العجب ، كيف رضي المُفتعل بهذه الفرية البيّنة! فإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام ولد ولعقيل عشرون سنة ، وهل يعتقد أحدٌ أو يظنّ أنّ إنساناً له من العمر ذلك المقدار ، إذا اقتضى صلاحه شرب الدواء ، يمتنع منه إلاّ إذا شرب مثله أخوه البالغ سنة واحدة أو سنتين؟! كلاّ لا يفعله أيُّ أحد وإنْ بلغ الغاية في الخِسّة والضعف ، فكيف بمثل عقيل المُتربّي بحجر أبي طالب ، والمُرتضع درَّ المعرفة ؛ خصوصاً مع ما يشاهد من الآيات الباهرة من أخيه الإمام منذ ولادته!
نعم ، الضغائن والأحقاد حبّذت لمَن تخلّق بها التردّد في العمي ، والخبط في الضلال مِن دون رويّة أو تفكير : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ اُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (١).
نعم ، كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول غير مرّة : «ما زلتُ مظلوماً» (٢). من دون تلك الزيادة ، يعني بذلك دفعه عن حقّه الواجب على الاُمّة القيام به والميل عنه ، وتعطيل أحكام اللّه بالأخذ من غيره ، وتقديم مَن ليس له قدمٌ ثابتٌ في كُلّ مكرمة ، ولا نصٌّ من صاحب الشريعة ، ولا فقهٌ ناجعٌ ، ولا إقدامٌ في الحروب.
وحيث إنّ في هذه الكلمة حطّاً بمَن ناوأه ، زحزحوها عنهم وألصقوها بذلك السيّد الكريم ، وما أسرع أنْ عاد السّهم فكان كالباحث عن حتفه بظلفه.
__________________
(١) سورة المجادلة / ١٩.
(٢) علل الشرائع ١ / ٤٥ ، الاعتقادات في دين الإماميّة للصدوق / ١٠٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ / ٣٠٦.