طريقة مخصوصة من هذه الطرائق ، أو نحوها ، بل المناط حصول القطع بقول المعصوم.
والتحقيق أنّه يندر حصول القطع بقول المعصوم من الإجماع المحصّل ندرة لا تبقى معها قيمة لأكثر الإجماعات التي نحصّلها ، بل لجميعها بالنسبة إلى عصور الغيبة. وتفصيل ذلك أن نقول ببرهان السبر والتقسيم : إنّ المجمعين إمّا أن يكون رأيهم ـ الذي اتّفقوا عليه ـ بغير مستند ودليل ، أو عن مستند ودليل. لا يصحّ الفرض الأوّل ؛ لأنّ ذلك مستحيل عادة في حقّهم ، ولو جاز ذلك في حقّهم فلا تبقى قيمة لآرائهم حتى يستكشف منها الحقّ. فيتعيّن الفرض الثاني ، وهو أن يكون لهم مدرك خفي علينا وظهر لهم.
ومدارك الأحكام منحصرة عند الإماميّة في أربعة : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والدليل العقليّ. ولا يصحّ أن يكون مدركهم ما عدا السنّة من هذه الأربعة.
أمّا الكتاب : فإنّما لا يصحّ أن يكون مدركهم ؛ فلأجل أنّ القرآن الكريم بين أيدينا مقروء ومفهوم ، فلا يمكن فرض آية منه خفيت علينا ، وظهرت لهم. ولو فرض أنّهم فهموا من آية شيئا خفي علينا وجهه فإنّ فهمهم ليس حجّة علينا ، فإجماعهم لو استند إلى ذلك لا يكون موجبا للقطع بالحكم الواقعيّ ، أو موجبا لقيام الحجّة علينا. فلا ينفع مثل هذا الإجماع.
وأمّا الإجماع : فواضح أنّه لا يصحّ أن يكون مدركا لهم ؛ لأنّ هذا الإجماع ـ الذي صار مدركا للإجماع ـ ننقل الكلام إليه أيضا ، فنسأل عن مدركه ، فلا بدّ أن ينتهي إلى غيره من المدارك الأخرى.
وأمّا الدليل العقليّ : فأوضح ؛ لأنّه لا تتصوّر هناك قضيّة عقليّة يتوصّل بها إلى حكم شرعيّ كانت مستورة علينا ، وظهرت لهم ؛ ضرورة أنّه لا بدّ في القضيّة العقليّة ـ التي يتوصّل بها إلى الحكم الشرعيّ ـ أن تتطابق عليها آراء جميع العقلاء ، وإلاّ فلا يصحّ التوصّل بها إلى الحكم الشرعيّ. فلو أنّ المجمعين كانوا قد تمسّكوا بقضيّة عقليّة ليست بهذه المثابة فلا تبقى قيمة لآرائهم حتى يستكشف منها الحقّ وموافقة الإمام ؛ لأنّهم يكونون كمن لا مدرك لهم.
فانحصر مدركهم في جميع الأحوال في «السنّة».