وإن شئت زيادة الإيضاح ، فاعرض على أهل العرف الأخبار الواردة في الأمر بغسل الجنابة ، وغسل المسّ ، وغسل الحيض ، وأمثالها ، وكذا الأوامر الواردة بالأغسال المستحبة ، واسأل عنهم أنّ هذه الأغسال عندهم غسل واحد ، وأنّ المطلوب في هذه الأوامر الكثيرة في غاية الكثرة هل هو مطلوب واحد لا يزيد عن الواحد أصلا؟ أو أنّها أغسال متعدّدة وعبادات متكثّرة ومطلوبات متغايرة ، إذ لا شكّ في أنّهم يقولون بالثاني.
على أنّه على فرض صيرورة الكلّ واحدا ، فإمّا أن تصير واحدا معيّنا من تلك الأغسال ، مثل أن تصير غسل الجنابة بخصوصه (١) ، أو الحيض كذلك وهكذا ، فلا شكّ في كونه تحكّما وترجيحا من غير مرجّح ، وإمّا أن تصير غسلا آخر من غير تلك الأغسال ، فهو أظهر فسادا ، فإذا كانت الأغسال متعدّدة متكثّرة ، فالمطلوب كيف لا يكون متعدّدا؟ فإذا كان المطلوب متعدّدا ، فكيف يكون امتثالها بواحد غير متعدّد؟ لأنّ الامتثال هو الإتيان بما امر به وما هو المطلوب منه ، فإن كان واحدا يكون الامتثال بواحد ، وإن كان متعدّدا فبمتعدّد ، فكيف يكون الإتيان بذلك المتعدّد هو الإتيان بواحد شخصي؟
وممّا يؤيّد أنّ غسل الجنابة يرفع الحدث الأصغر والأكبر جميعا ، ولا يجوز معه الوضوء بخلاف سائر الأغسال ، منها ما لا يرفع حدثا أصلا ، ومنها ما لا يرفع الأصغر (٢) ، بل لا بدّ معه من الوضوء.
وأيضا قصد التعيين جزء النيّة المعتبرة في كلّ واحد واحد ، ويتفاوت في كلّ واحد واحد.
__________________
(١) في (د ٢) زيادة : لا غير.
(٢) في (ف) و (ز ١) و (ط) : أصلا.