وبالجملة ، ما كانوا يكتفون بذكر مسحه فقط لو كانوا عليهمالسلام مسحوا من الأسفل إلى الأعلى أو من أحد جانبي الجبهة إلى الآخر ، بل كانوا يتعرّضون لذكر ذلك البتة ، لكونه على خلاف المعهود في الوضوء ، فيكون الواجب واللازم كون المسح على الكيفيّة التي فعلوها في مقام بيان كيفيّة التيمّم ، لأنّ الرواة ما كانوا يعرفون الكيفيّة ، ولذا سألوهم عليهمالسلام عن الكيفيّة.
فلا شكّ في أنّهم لو كانوا يرون أنّ المعصوم عليهالسلام في مقام بيان الكيفيّة المجهولة ، اختار خصوص الابتداء من طرف الأنف والانتهاء إلى القصاص ، لكانوا يحكمون بلزوم مراعاة هذه الكيفية الغريبة العجيبة في التيمّم البتة ، ويذكرون ذلك للرواة عنهم عليهمالسلام البتة ، وما كانوا يكتفون بذكر المسح من دون ذكر الكيفية ، وكان كلّ من عمل برواياتهم يفتون بلزوم تلك الكيفيّة ، وكان المدار في الأعصار والأمصار عندهم عليه ، لا أن يصير المدار فيهما فتوى وعملا على الابتداء من القصاص ، كما اتّفق من الفقهاء والمسلمين.
وما ذكرناه ظاهر على الذوق السليم والطبع المستقيم ، ولذا بمجرّد ما نطّلع على هذه الأخبار يتبادر إلى ذهننا ما فهمه الفقهاء بلا تأمّل. بل يتبادر إلى أذهان العوام أيضا ما لم يسمعوا المناقشة في الدلالة.
ومن هذا حكم الشهيد صريحا بكون مقتضى التيمّم البياني ذلك (١) ، ـ مع كونه في أعلى مرتبة الفهم والفقاهة ـ كما هو مسلّم ومعروف من المتأخّرين عنه (٢).
ومن هذا أيضا نسب الصدوق رحمهالله إلى الإماميّة جميعا أنّهم يقولون بذلك ، وأنّ ذلك من دينهم الذي يجب الإقرار به (٣) ، مع أنّ البراءة اليقينية تتوقّف على
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٦٧.
(٢) ذخيرة المعاد : ١٠٤ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ٣٤٨.
(٣) أمالي الصدوق : ٥١٥.