أقول : فيه أوّلا : منع كونه تكليف الغافل ، كيف وهو يعلم أنّه مكلّف بتكليفات كثيرة غاية الكثرة ، ويعلم أنّ تركها موجب للعقاب ، لعلمه بأنّه أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّه صاحب الشرع ، وتكليفات لا بدّ من التشرّع بها وإطاعته فيها ، وعلمه أيضا بالضروريات ، مثل وجوب الوضوء والغسل والتيمّم والصلاة ، وغير ذلك من العبادات التي لا يعرف ماهيّتها إلّا من الشرع لكونها وظيفة.
وعلمه بأنّه لا بدّ (١) من المعرفة ، وطلب العلم الواجب على كلّ مسلم ومسلمة ، سمعه من العلماء والوعّاظ وغيرهم من المسلمين ، ويطّلع عليه بالتظافر والتسامع من المسلمين ، وملاحظة أفعالهم وآثارهم من الكتب وغيره ، كما هو حال من نشأ بين المسلمين ، فإنّه عالم إجمالا وإن لم يعرف التفصيل ، والعلم الإجمالي يخرج عن الغفلة والمعذوريّة.
ألا ترى أنّه لو أعطى المولى عبده طومارا ملفوفا ، وأمره بكلّ ما كتب في هذا الطومار ، وأعلمه بأنّه لو ترك واحدا منه لعاقبه ، فلم يعتن العبد ولم يفتحه ، فلا شكّ في أنّ العقلاء يذمّونه ، ولا يقولون بأنّه غافل ، فيقبح التكليف به.
وثانيا : أنّ المراد كونه كالعامد في وجوب القضاء في الموضع الذي يجب قضاء ما فات منه ، فقوله : فهو مشكل. إلى آخره ، فيه ما فيه ، لأنّ الدليل هو عدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء المكلّف تحت العهدة ، كما اعترف هو أيضا في الشقّ الأوّل ، سيّما على القول بأنّ العبادة اسم للصحيحة ، وسيّما بملاحظة ما ثبت من اشتراط قصد القربة فيها. هذا ؛ مضافا إلى إطلاقات الأخبار.
وثالثا : أنّ المراد أنّه كالعامد في استحقاق العقاب ، وقوله : فمشكل. إلى آخره. أيضا فيه ما فيه ، لمنع كونه تكليفا بما لا يطاق مع إمكان التعلّم.
__________________
(١) في (د ٢) زيادة : واطّلاعه فيه وعلمه بالضروريات.