وغير خفي أنّ الروايات ظاهرة في كون ذلك على جهة الاستظهار المناسب للاستحباب لا الوجوب ، سيّما بعد ما عرفت من القطع بكون القبلة هي الجهة ، وهي واسعة ليست بالضيق المتوهّم.
وفي «الذخيرة» : أنّ هذا الحكم مبني على كون القبلة هي الحرم ، كما صرّح به المحقّق (١) ، انتهى.
وفيه أنّ الروايات المذكورة ، مثل كلام الأصحاب واضحة الدلالة ، في كون القبلة شيء يكون التياسر عنه مطلوبا ، فلو كانت القبلة هي الحرم ، لم يكن بين أجزائه تفاوت أصلا ، في كونها قبلة ، فأين القبلة التي يكون التياسر عنها مطلوبا؟ سيّما وأن يكون مستحبّا.
والبناء على كون القول بالاستصحاب فاسد قطعا ، وأنّه يجب الانحراف عمّا توهّم العامة كونه قبلة ، وأنّهم خاطئون جزما وأن تسمية المعصوم ذلك قبلة ، تبعا للعامة الخاطئين فاسد قطعا ، لمخالفة ما دلّ عليهم دليلهم ، بل مخالفته لظاهر كلام كلّ الفقهاء أيضا ، مضافا إلى مخالفته للأدلّة اليقينيّة في كون القبلة هي الجهة لا العين للبعيد ، وكون عين الكعبة قبلة للقريب على حسب ما عرفت.
وبالجملة ؛ الروايات واضحة في كون القبلة في الحقيقة هي الكعبة ، وأنّ مراعاة الحرم إنّما هي لأجل الاستظهار ، والاستحباب ليس إلا من حيث كون الحرم متولدا من الكعبة ، والحجر المنصوب فيها ، وتوابعها المتفرعة عليها ، فناسب ذلك مراعاته في الجهة الوسيعة ، لخصوص أهل العراق من البعيدين عن الكعبة.
ويحتمل أن تكون النكتة غير ما ذكر ، ويكون أمرا يعرفه المعصوم عليهالسلام.
وكيف كان ؛ العمل على مراعاة الجهة جزما ، وأنّه عند التياسر لا يخرج
__________________
(١) ذخيرة المعاد : ٢٢٠ ، لاحظ! شرائع الإسلام : ١ / ٦٥.