وهذا هو مقتضى كلام القدماء أيضا ، مثل المفيد ، والشيخ ، وابن إدريس (١) ، وحمل غير القبلة في الكلّ على ما إذا لم يكن بين المشرق والمغرب ، أي بين القوس الذي في سمت القبلة ، لصحيحة زرارة ، وصحيحة معاوية السابقتين (٢) ، الصريحتين في كون ما بين المشرق والمغرب قبلة للعراقي ، لكون الراوي عراقيا.
وكذا حال غيرهم ، لعدم القول بالفصل ، بل ظهور كون المراد فيهما أيضا نصف القوس ، لأنّ الراوي من أهل الكوفة ، لا من أهل الموصل وما والاها ، فتأمّل جدّا!
والظاهر أنّ القدماء أيضا كانوا قائلين بذلك ، وأنّ هذا القدر قبلة في الجملة ، وبالنسبة إلى الخاطئ والساهي ونحوهما ، لا أنّه قبلة مطلقا ، لما عرفت.
مع أنّ القبلة المذكورة في صحيحة زرارة هي التي تكون شرطا لصحّة الصلاة في حال السهو والخطأ ونحوهما أيضا ، ومن المعلوم أنّ هذه القبلة واسعة بالقدر المذكور.
وأمّا القبلة التي تكون مراعاتها واجبة حال العمد والاختيار خاصّة فغير واجب اتّحادها معها ، فإذن لا معارضة بين الآية الشريفة ، والأخبار الموافقة لها المتواترة وغيرهما ممّا عرفت.
وممّا ذكر ظهر الحال بالنسبة إلى صحيحة معاوية أيضا ، بل في الصحيحة إشعار أيضا ، فإنّ معاوية الثّقة الجليل الفقيه سأل الصادق عليهالسلام أنّ الرجل بعد ما فرغ من صلاته يرى أنّه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا (٣).
__________________
(١) المقنعة : ٩٧ ، المبسوط : ١ / ٨٠ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦٤ ، السرائر : ١ / ٢٠٥.
(٢) راجع! الصفحة : ٤٢٣ و ٤٤٦ من هذا الكتاب.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٩ الحديث ٨٤٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣١٤ الحديث ٥٢٤٦.