وهذا ينادي بأنّ الثّقة المذكور كان يعتقد أنّه منحرف عن القبلة ، لا أنّه متوجّه إليها ، فلو كان خاطئا في اعتقاده ، كان يقول صلوات الله عليه : أخطأت بل هو متوجّه إلى القبلة ، لا أن يقول : مضت صلاته ، لأنّ مضي الصلاة ظاهر في وقوع خلل لم يضرّها لمضيّها ، وأنّه لو لم تمض ، لم تكن كذلك.
ويشير إليه تنكير لفظ «القبلة» في قوله عليهالسلام : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (١) أي نوع قبلة ، لا أنّه القبلة المعروفة المعهودة.
ولو كان ما ذكر بعده من قول : وهذه الآية نزلت في قبلة المتحيّر. إلى آخره من تتمّة الرواية ، كما ادّعاه المتوهّمون ، في كون القبلة مجموع ما بين المشرق والمغرب مطلقا ، لكان ينادي بأنّ هذه القبلة قبلة متحير.
وممّا ذكر ظهر الحال في صحيحة زرارة أيضا ، لأنّ لفظ «القبلة» فيها أيضا بعنوان النكرة ، فتأمّل جدّا ، على أنّه يمكن أن يكون المراد من المشرق جهته ، وكذا المغرب.
ولا شكّ في أنّ القبلة حينئذ تنحصر في جهتها ، ومرّ في كتاب الطهارة في بحث حرمة الاستقبال والاستدبار في الخلاء (٢) ما يشير إليه ، فتأمّل ، إلّا أنّ الأظهر هو الذي ذكرنا هنا ، لو لم نقل الأقوى.
وممّا ينادي بفساد التوهّم المذكور ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ الفقهاء يقولون : لو ظهر الخلل وهو في الصلاة استدار إلى القبلة ، إن كان قليلا ، وفسّروا القبلة بأن لا يبلغ حدّ التشريق والتغريب.
ونقل في «المعتبر» الإجماع على ذلك (٣) ، وباقي الفقهاء أفتوا كذلك ، وكتبهم
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣١٤ الحديث ٥٢٤٦.
(٢) راجع! الصفحة : ٢٢٦ و ٢٢٧ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.
(٣) المعتبر : ٢ / ٧٢.