ثم ذكر أنهم يحتالون على تصديق الناس لهم بكل يمين محرجة فقال :
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) أي جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية وسترا لحقن دمائهم وحفظ أموالهم ، فيحلفون بالله إنهم لمنكم ، ويقولون نشهد إنك لرسول الله ، حتى لا تجرى عليهم أحكام الكفار من القتل والأسر وأخذ الأموال غنيمة.
قال قتادة : كلما ظهر عليهم ما يوجب مؤاخذتهم حلفوا كاذبين ، عصمة لدمائهم وأموالهم.
وفى هذا تعداد لقبائح أفعالهم ، وأن من عادتهم أن يستجنّوا بالأيمان الكاذبة ، كما استجنوا بالشهادة الكاذبة.
ثم حكى عنهم جريمة أخرى وهى إضلال الناس وصدهم عن الإسلام فقال :
(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي فمنعوا الناس عن الدخول فى الإسلام ، وعن الإنفاق كما حكى عنهم سبحانه بعد.
وقصارى ذلك ـ أنهم أجرموا جرمين :
(١) أعدوا الأيمان الكاذبة وهيئوها لوقت الحاجة ، ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة.
(٢) أنهم يمنعون الناس عن الدخول فى الإسلام وينفّرونهم منه متى استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ثم بين قبح مغبّة ما يعملون ، ووبال ما يصنعون فقال :
(إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي قبح فعلهم إذ آثروا الكفر على الإيمان ، وأظهروا خلاف ما أضمروا ، وسيلقون نكالا ووبالا فى الدنيا والآخرة.
أما فى الدنيا فسيفضحهم الله على رءوس الأشهاد ، ويظهر نفاقهم للمؤمنين بنحو قوله : «ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ، إنّهم كفروا بالله ورسوله».