(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي ومن يتجاوز ما شرع الله لعباده من شرائع ، وما أبيح له إلى ما لم يبح فقد ظلم نفسه وأضرّ بها من حيث لا يدرى.
ثم بين علة هذا الضرر فقال :
(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) أي لا تعلم أيها المرء أن الله يقلب القلوب ، فيجعل فى قلبك محبة لها ، فتندم على فراقها ، وتود الرجعة إليها ، فلا يتسنى لك ذلك ، لأن الفرصة تكون قد ضاعت ، وما جرّ ذلك عليك إلا تعدى حدود الله.
والخلاصة ـ إن من يتعدّ حدود الله فقد أساء إلى نفسه ، فإنه لا يدرى عاقبة ما هو فاعل ، فلعل الله يحدث فى قلبه بعد ذلك الذي فعل من التعدي ـ أمرا يدعو إلى عكس ما فعل ، فيبدّل البغض محبة ، والإعراض إقبالا ، ولا يتسنى له تلافى ذلك برجعة أو استئناف نكاح فتضيع الفرصة ويندم ، ولات ساعة مندم.
تنبيه
الشريعة الإسلامية ـ وإن أباحت الطلاق ـ بغّضت فيه وقبحته وبينت أنه ضرورة لا يلجأ إليها إلا بعد استنفاد جميع الوسائل لبقاء رباط الزوجية الذي حبّبت فيه وجعلته من أجلّ النعم ، فرغّبت فى إرسال حكم من أهله وحكم من أهلها قبل حدوث الطلاق ، لعلهما يزيلان ما بين الزوجين من نفور ، كما رغبت فى أن تكون الطلقات الثلاث متفرقات ، لعل النفوس تصفو بعد الكدر ، والقلوب ترعوى عن غيها ، ولعلهما يندمان على ما فرط منهما فتكون الفرصة مواتية ، ويمكن الرجوع إلى ما كانا عليه ، بل قد يعودان إلى حال أحسن مما كانا.
روى أبو داود عن محارب بن دثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق» وروى الثعلبي من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق».