وبهذه الآية استدل السلف على وجوب الوفاء بالوعد ، وبما ثبت فى السنة من قوله صلى الله عليه وسلم «آية المنافق ثلاث : إذا وعد أخلف ، وإذا حدّث كذب ، وإذا اؤتمن خان».
ثم بين شدة قبح ذلك وأنه بلغ الغاية فى بغض الله له فقال :
(كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) أي عظم جرما عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
ذاك أن الوفاء بالوعد دليل على كريم الشيم ، وجميل الخصال ، وبه تكون الثقة بين الجماعات ، فترتبط برباط المودة والمحبة حين يتعامل بعض أفرادها مع بعض ، ويكونون يدا واحدة فيما انتووا من الأعمال ، والعكس بالعكس ، فإذا فشا فى أمة خلف الوعد قلّت الثقة بين أفرادها ، وانحلت عرا الروابط بينهم ، وأصبحوا عقدا متناثرا لا ينتفع به ، ولا يخشى منهم عدوّ إذا اشتدت الأزمات ، وعظمت الخطوب ، لما يكون بينهم من التواكل ، وعدم ائتمان بعضهم بعضا.
وبعد أن ذمّ المخالفين فى أمر القتال وهم الذين وعدوا ولم يفعلوا ، مدح الذين قاتلوا فى سبيله وبالغوا فيه فقال :
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) أي إن الله يحب الذين يصفّون أنفسهم حين القتال ولا يكون بينهم فرج فيه كأنهم بنيان متلاحم الأجزاء ، كأنه قطعة واحدة قد صبّت صبا ، وعلى هذه الطريقة تسير الجيوش فى العصر الحاضر.
وسر هذا أنهم إذا كانوا كذلك زادت قوتهم المعنوية ، وتنافسوا فى الطعان والنزال ، والكرّ والفرّ ، إلى ما فى ذلك من إدخال الرّوع والفزع فى نفوس العدو ، إلى ما لحسن النظام من إمضاء العمل بالدقة والإحكام ، ومن ثم أمرنا بتسوية الصفوف فى الصلاة ، وألا يجلس المصلى فى صف خلفى إلا إذا اكتمل ما فى الصف