الدينية والسياسية فى المدينة ، وسيكون فى ذلك القضاء عليهم لو صبروا ، وقد غبروا دهرا وهم أصحاب السلطان فيها ، لأنهم من وجه أهل كتاب ، ومن وجه آخر هم أرباب النفوذ المالى فيها ، وأصحاب الثروة والجاه العريض.
ثم أكد ما سلف وقرره بقوله :
(فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أي فجاءهم بأس الله وقدرته الذي لا تدفع من حيث لم يخطر ذلك لهم ببال ، وصدق فيهم ما قيل : قد يؤتى الحذر من مأمنه.
فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ، فذهبت طائفة منهم إلى أذرعات من أعالى الشام ، وطائفة إلى خيبر على أن يأخذوا معهم ما حملت إبلهم.
ثم بين أسباب هذا الاستسلام السريع ، والنزول على حكم الرسول على مناعة الحصون وكثرة العدد والعدد فقال :
(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) أي بثّ فى قلوبهم الهلع والخوف حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إليهم ، فلم يستطيعوا إلى المقاومة سبيلا.
ومما كان له بالغ الأثر فى هذا الخوف قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غيلة ، وما رأوه من كذب وعد عبد الله بن أبىّ رأس المنافقين فى نصرتهم ، وإرسال المدد إليهم ، وتغريره بهم ، وتوسيع مسافة الخلف بينهم وبين الرسول ، فهم قد أوقدوا نارا كانوا هم حطب لهيبها ، وفتحوا ثغرة برءوسهم قد سدّوها ، ووقعوا فى حفرة هم الذين كانوا قد حفروها ، فابتلعتهم لا إلى رجعة.
ثم بين مدى ما لحقهم من الهلع والجزع ، وكيف حاروا فى الدفاع عن أنفسهم فقال :
(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) أي يخربون بيوتهم بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة حتى لا يدخلها العدو ، وحتى لا تبقى صالحة لسكنى المؤمنين بعد جلائهم ، ولينقلوا بعض أدواتها التي تصلح للاستعمال فى جهات أخرى كالخشب والعمد والأبواب ، ويخربها المؤمنون من خارج ليدخلوها