أشعر بمثارات عظيمة للغلط فكيف الأمان منها مع تراكمها ، فاعلم أن الحق عزيز والطريق إليه وعر وأكثر الأبصار مظلمة ، والعوائق الصارفة كثيرة والمشوشات للنظر متظاهرة ، ولهذا ترى الخلق يتلاطمون تلاطم العميان ، وقد انقسموا إلى فرقتين فرقة سابقة بأذهانها إلى المعتقدات على سرعة فيعتقدها يقينا ويظن كل شبهة ودليل برهانا ويحسب كل سوداء ثمرة ، فهؤلاء يعتقدون أنهم يعلمون الحقائق كلها وإنما العميان خصومهم. وطائفة تنبّهوا لذوق اليقين وعلموا أن ما في الناس فيه في الأكثر عمى ثم قصرت قوتهم من سلوك سبيل الحق ومعرفة شروط القياس إما لبلادة في الفهم وإما لفقد أستاذ مرشد بصير بالحقائق غير منخدع بلامع السراب يطّلع على جميع شروط البرهان. فهؤلاء يعتقدون أن الناس كلهم عميان يتلاطمون وأنه لا يمكن أن يكون في القوة البشرية الاطلاع على الحق وسلوك طريقه ، فلا ذاك الأول حق ولا هذا الثاني صدق. وإنما الحق أن الأشياء لها حقيقة وإلى دركها طريق وفي قوام البشر سلوك ذلك الطريق لو صادف مرشدا بصيرا ، ولكن الطريق طويل والمهالك فيها كثيرة والمرشد عزيز فلأجلها صار الطريق عند الأكثر مهجورا ، إذ صار مجهولا. وهكذا يكون مثل هذا الأمر ، فإنه مهما عظم المطلوب قلّ المساعد ومهما كثرت المخاوف راع الجبان الخائف ، وكيف لا وأكثر العلوم المطلوبة في أسرار صفات اللّه تعالى وأفعاله تنبني على أدلة تحقيقها يستدعي تأليف مقدمات لعلّها تزيد على ألف وألفين ، فأين من يقوى ذهنه للاحتواء على جميعها أو حفظ الترتيب فيها ، فعليك أيها الأخ بالجد والتشمير. فإن ما أوردته يهديك إلى أوائل الطريق إن شاء اللّه تعالى.