جميع المدارك ، فإن قلت ما معنى قولك عليه عقاب فمعناه أن إجرائه سبب للعقاب في الآخرة ، فإن قلت ما المراد بكونه سببا فالمراد ما يفهم من قولنا الأكل سبب الشبع وحز الرقبة سبب الموت والضرب سبب الألم ، فإن قلت فلو كان سببا لكان لا يرجى العفو بل كان يجب أن يعاقب لا محالة. فأقول ليس كذلك إذ لا يفهم من قولنا الضرب سبب الألم والدواء سبب الشفاء أن ذلك واجب في كل شخص معيّن مشار إليه ، بل يجوز أن يفرض في المحل أمور تدفع المسبب ، ولا يدل ذلك على بطلان السببية ، فربّ دواء لا ينفع وربّ ضرب لا يدرك المضروب ألمه لكونه مشغول النفس بأمر هام ، كمن يجرح في حال قتال وهو لا يحس في الحال به ، وكما أن العلة قد تستحكم فتدفع أثر الدواء فكذلك قد يكون في سريرة الشخص وباطنه أخلاق رضية وخصال محمودة عند اللّه مرضية يوجب ذلك العفو عن جريمته ولا يوجب خروج الجريمة عن كونها سبب العقاب.