من عندها وو الله إني كالموقن (١) ما أكره من جائزتها أسفا على الصوت ، فما جسرت والله بعد ذلك أن أتنغم به في نفسي فضلا عن أن أظهره حتى ماتت ، فدخلت على المأمون في أول مجلس جلسه للهو بعدها ، فبدأت به في أول ما غنّيت ، فتغيّر وجه المأمون وقال : من أين لك ويلك هذا ، قلت : ولي الأمان على الصّدق؟ قال : ذلك لك ، فحدّثته الحديث فقال : فما كان في هذا من النفاسة حتى شهرته ، وذكرت هذا منه مع الذي أخذته من العوض ، وهجّنني فيه هجنة وددت معها أني لم أذكره ، وآليت ألا أغنّيه بعدها أبدا.
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) ، أخبرني أحمد بن محمد بن عبد الواحد المرورّوذي ، نا عبيد الله بن محمد بن أحمد المقرئ ، نا أبو بكر محمد بن يحيى النديم ، نا الحسن بن يحيى الكاتب ، نا إسحاق الموصلي قال : أنشدت الأصمعي شعرا لي على أنه لشاعر قديم :
هل إلى نظرة إليك سبيل |
|
يرو (٣) منها الصّدى ويشفى (٤) الغليل |
إن ما قلّ منك يكثر عندي |
|
وكثير (٥) من الحبيب القليل |
فقال لي : هذا والله الديباج الخسرواني (٦) ، فقلت له : انه ابن ليلته ، فقال : لا جرم إنّ أثر التوليد فيه! فقلت له : لا جرم إن أثر الحسد فيك. قال أبو بكر وقد أعجب هذا المعنى إسحاق فردده في شعره فقال (٧) :
أيها الظبي الغرير |
|
هل لنا منك مجير |
إن ما تولتنا من |
|
ك وإن قلّ كثير |
__________________
(١) عن الأغاني وبالأصل كالموقر.
(٢) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٢ والأغاني ٥ / ٣١٨.
(٣) كذا بالأصل والمصدرين ، وجزم الفعل لضرورة الشعر.
(٤) بالأصل : «ويشفي العليل» والمثبت عن الأغاني وتاريخ بغداد.
(٥) الأغاني :
وكثير ممن تحب القليل
(٦) ثياب منسوبة إلى خسرو شاه من الأكاسرة.
(٧) البيتان في تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٢ والأغاني ٥ / ٣١٨.