ومواكب (١) كأمثال العجاج (٢) ، كأن خفقان راياته طيران النسور ، وكأن حمل فرسانه كر (٣) العقبان ، يعيدون العمران خرابا ويتركون القرى وحشة ، فيا ويل إيليا وسكانها كيف أذللهم للقتل ، وأسلّط عليهم السباء ، وأعيد بعد لجب الأعراس صراخا ، وبعد صهيل الخيل عواء الذياب ، وبعد شرافات القصور مساكن السباع ، وبعد ضوء السرج وهج العجاج ، وبالعزّ الذلّ ، وبالنعمة العبودية ، ولأبدلنّ نساءهم بعد الطيب التراب ، وبالمشي على الزرابي الخبب ، ولأجعلنّ أجسادهم زبلا للأرض ، وعظامهم ضاحية للشمس ، ولأدوسنّهم بألوان العذاب ، ثم لآمرنّ السماء فلتكونن طبقا من حديد ، والأرض سبيكة من نحاس ، وإن أمطرت لم تنبت الأرض ، وإن أنبتت شيئا في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم ، ثم أحبسه في زمان الزرع ، وأرسله في زمان الحصاد ، فإن زرعوا في خلال ذلك شيئا سلّطت عليه الآفة ، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة ، فإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوا لم أعطهم ، وإن بكوا لم أرحمهم ، وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم.
أخبرنا أبو سعد بن البغدادي ، أنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم الطّهراني (٤) ، وأبو عمرو بن مندة ، قالا : أنا الحسن بن محمد بن أحمد بن يوه (٥) ، أنا أحمد بن محمد بن عمر اللّنباني (٦) ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني علي بن أبي مريم ، عن أحمد بن جناب ، عن عبد الله بن عبد الرّحمن قال : قال إرميا : أي ربّ ، أي عبادك أحبّ إليك؟ قال : أكثرهم لي ذكرا ، الذين يشتغلون بذكري عن ذكر الخلائق ، الذين لا يعرض لهم وساوس الغناء ، ولا يحدّثون أنفسهم بالبقاء ، الذين إذا عرض لهم عيش الدنيا قلوه وإذا روي عنهم سروا بذلك ، أولئك أنحلهم محبتي وأعطيهم فوق غاياتهم.
أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد الفقيه ، أنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم ، أنا أبو
__________________
(١) الطبري : ومراكب.
(٢) ابن كثير : الفجاج.
(٣) الطبري : «كرير» وهو صوت في الصدر كصوت المختنق.
(٤) ضبطت عن الأنساب ، وقد تقدمت.
(٥) ضبطت عن التبصير.
(٦) إعجامها غير واضح بالأصل وفي م : النباني والصواب بتقديم النون ، هذه النسبة إلى لنبان محلة بأصبهان (الأنساب).