محمد عبد الله بن الوليد ، نا أحمد بن علي ، نا أحمد بن الحسن ، نا المقدام بن داود ، نا علي بن معبد ، نا يزيد بن محمد ، عن أبي عباس الشامي قال : قال الله تبارك وتعالى لإرميا بن حلقيا : من قبل أن أخلقك اخترتك ، ومن قبل أن أصوّرك في الرحم قدّستك ، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهّرتك ، ومن قبل أن تبلغ أشدك نبّيتك ، ولأمر عظيم اجتبيتك.
فقال إرميا : يا ربّ ، إني ضعيف إلّا ما قويتني ، عاجز إن لم تبلّغني ، مخطئ إن لم تسدّدني ، مخذول إن لم تنصرني ، ذليل إن لم تعزّني. فقال الله عزوجل : يا إرميا ألم تعلم أن الأمر أمري ، وأن الأمور تصدر عن مشيئتي ، وأن الأمر والخلق كله لي ، وأن القلوب والألسنة كلها لي وبيدي أقلّبها كيف شئت ، فبعظمتي إنه لا يعلم ما في غد غيري ، ولا تتم إلّا لي ، وكيف تخاف الضعف وأنت معي؟ وأنا الله الذي قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي ، وأنا الله الذي ذلّت لطاعتي خوفا واعترافا لأمري ، ولن يصل إليك شيء معي ، إني باعثك إلى خلق من خلقي لتبلّغهم رسالتي وتستحق بذلك مثل أجر من أطاعك (١) منهم ، لا ينقص لك من أجورهم شيئا ، فإن أنت قصّرت عنها استحققت بذلك مثل وزر من تركت في عمائه منهم لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا. انطلق إلى قومك فقم فيهم ثم قل : إن الله ذكركم بصلاح آبائكم فحمله ذلك على أن يستتيبكم يا معشر أبناء الأنبياء ونسلهم ، كيف وجد آباؤهم غب طاعتي ، وكيف وجدوا هم غب معصيتي ، هل علموا أن أحدا أطاعني فشقي بطاعتي؟ وأن أحدا عصاني فسعد بمعصيتي؟ إن الدوابّ إذا ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها ، وإن هؤلاء القوم تركوا ما أكرمت عليه آباءهم وابتغوا الكرامة من غير وجهها ، أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي خولا يتعبدونهم من دوني ، ويحكمون فيهم بغير كتابي ، فأجهلوهم أمري ، وأيسوهم وغرّوهم منّي ، فبطروا نعمتي ، وأمكنوا مكري ، وبدّلوا كتابي ، ونسوا عهدي ، وضيّعوا أمري ، حتى دان لهم العباد بالطاعة التي لا تنبغي لجبار غيري ، وهم يحرفون بذلك كتابي ، ويفترون من أجله على رسلي جرأة وغرّة وفرية عليّ وعلى رسلي.
أخبرنا أبو العلاء زيد وأبو المحاسن مسعود ابنا علي بن منصور بن علي بن
__________________
(١) في الطبري ١ / ٥٤٨ اتّبعك.