بشأنه ويبتنون افادة الاحاديث واستفادتها على قواعد بنيانه ، فلقد كانت قواعده بينهم متداولة غنية عن التعريف وان لم يفردوا لها كتابا بالتأليف ، لكنهم ضمنوا كتبهم الفقهية والاصولية وكتب الحديث والرجال كثيراً من ذلك.
ولبعد ما بين مظانها تتعسر الاحاطة بها على مريد سلوك هذه المسالك ، مع أنهم تركوا كثيراً من قواعده لم يكتبوها وان كانت متداولة بينهم يعرفها ذووها. فجمعت من مظان ذلك شوارد يعسر جمعها ، وقيدت منه أوابد (١) يكثر نفعها فجاءت في الحقيقة أنور من نور الحديقة ، وفي نظر العين أنضر من نظرة العين ، قد اتضح بها علم أصول الحديث واستبان ، وافتضح بها جهله واستكان ، ولقد يصدق الناظر فيها المثل السائر (كم ترك الاول للاخر) وسميتها (وصول الاخيار الى أصول الاخبار).
فدونك كلمات ينزر عددها ويغزر مددها ، تكسيك حيلد الاولياء وتلبسك حلة الانبياء ، وترشدك الى طريق النقل والتحصيل ، وتخرج قوتك القريبة الى الفعل الجميل.
ومما حثني على تأليف هذه الرسالة بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق ، وأوجبه علي بعد اتصالي بدولة الايمان والوفاق ، ما شاهدته من اقبال أهلها على اقتباس الفقه والحديث وحسن سلوكهم ، وتحققت به صدق المثل السائر (الناس على دين ملوكهم).
فيا لله من دولة صافية المشارع ، ضافية (٢) المزارع ، مايعة الظل ، بحورها
__________________
١. الاوابد جمع آبد ، وهو بمعنى الوحش ، والمؤنث آبدة ، سميت بذلك لبقائها على الابد. قال الاصمعي : لم يمت وحشى حتف أنفه قط ، انما موته عن آفة ، وكذلك الحية على ما زعموا.
٢. الضفو : السعة والخير والكثرة ، رجل ضافى الرأس : كثير شعر الرأس.