(فصل) روى جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وذكر حج النبي صلىاللهعليهوسلم وطوافه بالبيت إلى قوله فاستلم الحجر بعد الركعتين ثم خرج إلى الصفا حتى بدا له البيت فقال نبدأ بما بدأ الله به يدل على أن لفظ الآية لا يقتضى الترتيب إذ لو كان ذلك معقولا من الآية لم يحتج أن يقول نبدأ بما بدأ الله به فإنما بدئ بالصفا قبل المروة لقوله صلىاللهعليهوسلم نبدأ بما بدأ الله به ونفعله كذلك مع قوله [خذوا عنى مناسككم] ولا خلاف بين أهل العلم أن المسنون على الترتيب أن يبدأ بالصفا قبل المروة فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يعتد بذلك في الرواية المشهورة عن أصحابنا وروى عن أبى حنيفة أنه ينبغي له أن يعيد ذلك الشوط فإن لم يفعل فلا شيء عليه وجعله بمنزلة ترك الترتيب في أعضاء الطهارة* قوله تعالى (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) عقيب ذكر الطواف بهما يحتج به من يراه تطوعا وذلك لأنه معلوم رجوع الكلام إلى ما تقدم ذكره من الطواف بهما ومعلوم مع ذلك أن الطواف لا يتطوع به عند من يراه واجبا في الحج والعمرة وعند من لا يراه في غيرهما فوجب أن يكون قوله (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) إخبار بأن من فعله في الحج والعمرة فإنما يفعله تطوعا إذ لم يبق موضع لفعله في غيرهما لا تطوعا ولا غيره وهذا لا دلالة فيه على ما ذكروا لأنه جائز أن يكون المراد من تطوع بالحج والعمرة لتقدم ذكرهما في الخطاب في قوله تعالى (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ).
باب في النهى عن كتمان العلم
قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) الآية وقال في موضع آخر (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) الآية وقال (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) هذه الآي كلها موجبة لإظهار علوم الدين وتبيينه للناس زاجرة عن كتمانها ومن حيث دلت على لزوم بيان المنصوص عليه فهي موجبة أيضا لبيان المدلول عليه منه وترك كتمانه لقوله تعالى (يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) وذلك يشتمل على سائر أحكام الله في المنصوص عليه والمستنبط لشمول اسم الهدى للجميع* وقوله تعالى (يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) يدل على أنه لا فرق في ذلك بين ما علم من جهة النص أو الدليل لأن في الكتاب الدلالة على أحكام الله تعالى كما فيه النص عليها وكذلك قوله تعالى (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا