باب كيفية القصاص
قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) وقال في آية أخرى (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) وقال (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) فأوجب بهذه الآي استيفاء المثل ولم يجعل لأحد ممن أوجب عليه أو على وليه أن يفعل بالجانى أكثر مما فعل* واختلف الفقهاء في كيفية القصاص فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر على أى وجه قتله لم يقتل إلا بالسيف وقال ابن القاسم عن مالك إن قتله بعصا أو بحجر أو بالنار أو بالتغريق قتله بمثله فإن لم يمت بمثله فلا يزال يكرر عليه من جنس ما قتله به حتى يموت وإن زاد على فعل القاتل الأول وقال ابن شبرمة نضربه مثل ضربه ولا نضربه أكثر من ذلك وقد كانوا يكرهون المثلة ويقولون السيف يجزى عن ذلك كله فإن غمسه في الماء فإنى لا أزال أغمسه فيه حتى يموت وقال الشافعى إن ضربه بحجر فلم يقلع عنه حتى مات فعل به مثل ذلك وإن حبسه بلا طعام ولا شراب حتى مات حبس فإن لم يمت في مثل تلك المدة قتل بالسيف* قال أبو بكر لما كان في مفهوم قوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) وقوله (الْجُرُوحَ قِصاصٌ) استيفاء المثل من غير زيادة عليه كان محظورا على الولي استيفاء زيادة على فعل الجاني ومتى استوفى على مذهب من ذكرنا في التحريق والتغريق والرضخ بالحجارة والحبس أدى ذلك إلى أن يفعل به أكثر مما فعل لأنه إذا لم يمت بمثل ذلك الفعل قتله بالسيف أو زاد على جنس فعله وذلك هو الاعتداء الذي زجر الله عنه بقوله (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) لأن الاعتداء مجاوزة القصاص والقصاص أن يفعل به مثل فعله سواء إن أمكن وإن تعذر فإن يقتله بأوحى وجوه القتل فيكون مقتصا من جهة إتلاف نفسه غير متعد ما جعل له وقول مالك بتكرار مثل ذلك الفعل عليه حتى يموت زائد على فعل القاتل خارج عن معنى القصاص وقول الشافعى أنه يفعل به مثل ما فعل ثم يقتله مخالف لحكم الآية لأن القصاص إن كان من جهة أن يفعل به مثل ما فعل فقد استوفى فقتله بعد ذلك تعد ومجاوزة لحد القصاص وقال تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وإن كان معنى القصاص هو إتلاف نفس بنفس من غير مجاوزة لمقدار الفعل فهو الذي نقوله فلا ينفك موجب القصاص على الوجه الذي ذهب إليه مخالفونا من مخالفة الآية لمجاوزة