الشبع حتى يكون لاختصاصه الميتة بهذا الوصف وعقده الإباحة بهذه الشريطة فائدة وهو أن لا يتناول منها إلا مقدار زوال خوف الضرورة ويدل على ذلك أيضا أنه لو كان معه من الطعام مقدار ما إذا أكله أمسك رمقه لم يجز له أن يتناول الميتة ثم إذا أكل ذلك الطعام وزال خوف التلف لم يجز له أن يأكل الميتة وكذلك إذا أكل من الميتة ما زال معه خوف الضرر حرم عليه أكلها إذ ليس أكل الميتة بأولى بإباحة الأكل بعد زوال الضرورة من الطعام الذي هو مباح في الأصل وقد روى الأوزاعى عن حسان بن عطية الميثى أن رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم فقال (إنا نكون بالأرض تصيبنا المخمصة) فمتى تحل لنا الميتة قال (متى ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تجدوا بها بقلا فشأنكم بها) فلم يبح لهم الميتة إلا إذا لم يجدوا صبوحا وهو شرب الغداء أو عبوقا وهو شرب العشاء أو يجدوا بقلا يأكلونه لأن من وجد غداء أو عشاء أو بقلا فليس بمضطر وهذا يدل على معنيين أحدهما أن الضرورة هي المبيحة للميتة دون حال المضطر في كونه مطيعا أو عاصيا إذ لم يفرق النبي صلىاللهعليهوسلم للسائل بين حائل المطيع والعاصي في إباحته بل سوى بينهما والثاني أن إباحة الميتة مقصورة على حال خوف الضرر والله أعلم.
باب هل في المال حق واجب سوى الزكاة
قال الله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) الآية قيل في قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ) أنه يريد به اليهود والنصارى حين أنكرت نسخ القبلة فأعلم الله تعالى أن البر إنما هو طاعة الله تعالى واتباع أمره لا في التوجه إلى المشرق والمغرب إذا لم يكن فيه اتباع أمره وأن طاعة الله الآن في التوجه إلى الكعبة إذ كان التوجه إلى غيرها منسوخا* وقوله تعالى (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قيل أن فيه حذفا ومعناه أن البر بر من آمن بالله وقيل إنه أراد به أن البار من آمن بالله كقول الخنساء :
ترتع ما رتعت حتى إذا أدركت |
|
فإنما هي إقبال وإدبار |
يعنى مقبلة ومدبرة وقوله تعالى (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) يعنى أن البار من أتى المال على حبه قيل فيه أنه يعنى حب المال كقوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وقيل إنه يعنى حب الإيتاء وأن لا يكون متسخطا عند الإعطاء ويحتمل أن يكون أراد على حب