له قوله (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) جاء فيه نفى لتحريم سائر الدماء إلا ما كان منه بهذا الوصف لأنه قال (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ ـ إلى قوله ـ أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) وإذا كان ذلك على ما وصفنا لم يخل من أن يكون قوله (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ) متأخرا عن قوله (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) أو أن يكونا نزلا معا فلما عدمنا تاريخ نزول الآيتين وجب الحكم بنزولهما معا فلا يثبت حينئذ تحريم الدم إلا معقودا بهذه الصفة وهو أن يكون مسفوحا وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزى قال حدثنا الحسين بن أبى الربيع الجرجانى أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال لو لا هذه الآية (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) لا تبع المسلمون من العروق ما اتبع اليهود وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) قال حرم من الدم ما كان مسفوحا وأما اللحم يخالطه الدم فلا بأس به وروى القاسم بن محمد عن عائشة أنها سئلت عن الدم يكون في اللحم والمذبح قالت إنما نهى الله عن الدم المسفوح ولا خلاف بين الفقهاء في جواز أكل اللحم مع بقاء أجزاء الدم في العروق لأنه غير مسفوح ألا ترى أنه متى صب عليه الماء ظهرت تلك الأجزاء فيه وليس هو بمحرم إذ ليس هو مسفوحا ولما وصفنا قال أصحابنا إن دم البراغيث والبق والذباب ليس بنجس وقالوا أيضا إن دم السمك ليس بنجس لأنه يؤكل بدمه وقال مالك في دم البراغيث إذا تفاحش غسله ويغسل دم الذباب ودم السمك وقال الشافعى لا يفسد الوضوء إلا أن تقع منه نجاسة من دم أو بول أو غيره فعم الدماء كلها فإن قال قائل قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) وقوله (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) يوجب تحريم دم السمك لأنه مسفوح* قيل له هذا مخصوص بقوله صلىاللهعليهوسلم (أحلت لي ميتتان ودمان السمك والجراد)فلما أباح السمك بما فيه من الدم من غير إراقة دمه وقد تلقى المسلمون هذا الخبر بالقبول في إباحة السمك من غير إراقة دمه وجب تخصيص الآية في إباحة دم السمك إذ لو كان محظورا لما حل دون إراقة دمه كالشاة وسائر الحيوان ذوات الدماء والله أعلم.
باب تحريم الخنزير
قال الله تعالى (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) وقال تعالى (حُرِّمَتْ