عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) وقال تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) فنص في هذه الآيات على تحريم لحم الخنزير والأمة عقلت من تأويله ومعناه مثل ما عقلت من تنزيله واللحم وإن كان مخصوصا بالذكر فإن المراد جميع أجزائه وإنما خص اللحم بالذكر لأنه أعظم منفعته وما يبتغى منه كما نص على تحريم قتل الصيد على المحرم والمراد حظر جميع أفعاله في الصيد وخص القتل بالذكر لأنه أعظم ما يقصد به الصيد وكقوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) فخص البيع بالنهى لأنه كان أعظم ما يبتغون من منافعهم والمعنى جميع الأمور الشاغلة عن الصلاة وإنما نص على البيع تأكيدا للنهى عن الاشتغال عن الصلاة كذلك خص لحم الخنزير بالنهى تأكيدا لحكم تحريمه وحظرا لسائر أجزائه فدل على أن المراد بذلك جميع أجزائه وإن كان النص خاصا في لحمه* وقد اختلف الفقهاء في جواز الانتفاع بشعر الخنزير فقال أبو حنيفة ومحمد يجوز الانتفاع به للخرز وقال أبو يوسف أكره الخرز به وروى عنه الإباحة وقال الأوزاعى لا بأس أن يخاط بشعر الخنزير ويجوز للخراز أن يشتريه ولا يبيعه وقال الشافعى لا يجوز الانتفاع بشعر الخنزير* قال أبو بكر لما كان المنصوص عليه في الكتاب من الخنزير لحمه وكان ذلك تأكيدا لحكم تحريمه على ما بينا جاز أن يقال أن التحريم قد يتناول الشعر وغيره وجائز أن يقال أن التحريم منصرف إلى ما كان فيه الحياة منه مما لم يألم بأخذه منه فأما الشعر فإنه لما لم يكن فيه حياة لم يكن من أجزاء الحي فلم يلحقه حكم التحريم كما بينا في شعر الميتة وأن حكم المذكى والميتة في الشعر سواء إلا أن من أباح الانتفاع به من أصحابنا فذكر أنه إنما أجازه استحسانا وهذا يدل على أن التحريم قد تناول الجميع عندهم بما عليه من الشعر وإنما استحسنوا إجازة الانتفاع به للخرز دون جواز بيعه وشرائه لما شاهدوا المسلمين وأهل العلم يقرون الأساكفة على استعماله من غير نكير ظهر منهم عليهم فصار هذا عندهم إجماعا من السلف على جواز الانتفاع به وظهور العمل من العامة في شيء مع إقرار السلف إياهم عليه وتركهم النكير عليهم يوجب إباحته عندهم وهذا مثل ما قالوا في إباحة دخول الحمام من غير شرط أجرة معلومة ولا مقدار معلوم لما يستعمله من الماء ولا مقدار مدة لبثه فيه لأن هذا كان ظاهرا مستفضيا في عهد السلف