في قوله عز وجل (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) وذلك صفة مشركي أهل مكة الذين أخرجوا النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فلم يدخل أهل الكتاب في هذا الحكم وهذا يدل على أن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف لقوله (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ـ يعنى كفرا ـ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) ودين الله هو الإسلام لقوله (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) وقوله (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) المعنى فلا قتل إلا على الظالمين يعنى والله أعلم القتل المبدوء يذكره في قوله (وَقاتِلُوهُمْ) وسمى القتل الذي يستحقونه بكفرهم عدوانا لأنه جزاء الظلم فسمى باسمه كقوله تعالى (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) وقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) وإن لم يكن الجزاء اعتداء ولا سيئة* قوله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) روى عن الحسن أن مشركي العرب قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام قال نعم وأراد المشركون أن يغيروه في الشهر الحرام فيقاتلوه فأنزل الله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) يعنى إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم مثله وروى ابن عباس والربيع بن أنس وقتادة والضحاك أن قريشا لما ردت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام في الشهر الحرام فأدخله الله مكة في العام المقبل في ذي القعدة فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه وبينه في يوم الحديبية ويمتنع أن يكون المراد الأمرين فيكون إخبارا بما أقصه الله من الشهر الحرام الذي صده المشركون عن البيت بشهر مثله في العام القابل وقد تضمن مع ذلك إباحة القتال في الشهر الحرام إذا قاتلهم المشركون لأن لفظا واحدا لا يكون خبرا وأمرا ومتى حصل على أحد المعنيين انتفى الآخر إلا أنه جائز أن يكون إخبارا بما عوض الله نبيه من فوات العمرة في الشهر الحرام الذي صده المشركون عن البيت شهرا مثله في العام القابل وكانت حرمة الشهر الذي أبدل كحرمة الشهر الذي فات فلذلك قال (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) ثم عقب تعالى ذلك بقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فأفاد أنهم إذا قاتلوهم في الشهر الحرام فعليهم أن يقاتلوهم فيه وإن لم يجز لهم أن يبتدئوهم بالقتال وسمى الجزاء اعتداء لأنه مثله في الجنس وقدر الاستحقاق على ما يوجبه فسمى باسمه على وجه المجاز لأن المعتدى في الحقيقة هو الظالم* وقوله تعالى