الطاهرة ولا فرق في ذلك بين أن يكون الذي خالطه من ذلك ماء أو غيره إذ كان عموم الآي والسنن شاملة له وإذ كان المعنى وجود النجاسة فيه حظر استعماله ويدل على صحة قولنا من جهة السنة قوله صلىاللهعليهوسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من جنابة وفي لفظ آخر ولا يغتسل فيه من جنابة ومعلوم أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير طعمه ولا لونه ولا رائحته ومنع النبي صلىاللهعليهوسلم منه فإن قيل إنما منع البول القليل لأنه لو أبيح لكل أحد لكثر حتى يتغير طعمه أو لونه أو رائحته فيفسد قيل له ظاهر نهيه يقتضى أن يكون القليل منهيا عنه لنفسه لا لغيره وفي حمله على أنه ليس بمنهى عنه لنفسه وإنما منع لئلا يفسد لغيره إثبات معنى غير مذكور في اللفظ ولا دلالة عليه وإسقاط حكم المذكور في نفسه وعلى أنه متى حمل على ذلك زالت فائدته وسقط حكمه لعلمنا بأن ما غير من النجاسات طعم الماء أو لونه أو رائحته محظورا استعماله بغير هذا الخبر من النصوص والإجماع فيؤدى ذلك إلى إسقاط حكمه رأسا وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من جنابة فمنع البائل الاغتسال فيه بعد البول قبل أن يصير إلى حال التغير ويدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها الإناء فإنه لا يدرى أين باتت يده فأمر بغسل اليد احتياطا من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء ومعلوم أن مثلها إذا حلت الماء لم يغيره ولولا أنها تفسده لما كان للأمر بالاحتياط منها معنى وحكم النبي صلىاللهعليهوسلم بنجاسة ولوغ الكلاب بقوله طهور أناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا وهو لا يغيره فإن قيل قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ـ إلى قوله تعالى ـ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) وقوله تعالى (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) يدل من وجهين على جواز استعماله وإن كانت فيه نجاسة أحدهما عموم قوله تعالى (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أن ذلك يقتضى جوازه بماء حلته النجاسة وبما لم تحله والوجه الآخر قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) ولا يمتنع أحد من إطلاق القول بأن هذا ماء إذا كانت فيه نجاسة يسيرة لم تغيره وهذا يعارض ما استدللتم به من عموم الآي والأخبار في حظر استعماله ماء خالطته نجاسة قيل له لو تعارض العمومان لكان ما ذكرنا أولى من تضمنه من الحظر والإباحة والحظر متى اجتمعا كان الحكم للحظر وعلى أن ما ذكرنا من حظر استعمال النجاسة قاض على ما ذكرت من العموم فوجب أن يكون الغسل مأمورا بماء لا نجاسة فيه ألا ترى أنه إذا غيرته كان محظورا وعموم إيجاب الحظر مستعمل فيه