دون عموم الأمر بالغسل وكما قضى حظره لاستعمال النجاسات على قوله (لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) فإن كان ماحله منها يسيرا كذلك واجب أن يقضى على قوله تعالى (فَاغْسِلُوا) وقوله (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) واحتج من أباح ذلك بقوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) وقوله (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وقوله صلىاللهعليهوسلم هو الطهور ماؤه والحل ميتته وصفه إياه بالتطهير يقتضى تطهير ما لاقاه فيقال له معنى قوله طهورا يعتوره معنيان أحدهما رفع الحدث وإباحة الصلاة به والآخر إزالة الأنجاس فأما نجاسة موجودة فيه لم تزلها عن نفسه فكيف يكون مطهرا لها وعلى هذا القول ينبغي أن يكون معنى قوله طهورا أنه يجعل النجاسة غير نجاسة وهذا محال لأن ماحله من أجزاء الدم والخمر وسائر الخبائث لا يخرج من أن يكون أنجاسا كما أنها إذا ظهرت فيه لم يخرج من أن يكون أعيانها نجسة ولم يكن لمجاورة الماء إياها حكم في تطهيرها فإن قيل إذا كان الماء غالبا فلم يظهر فيه فالحكم للماء كما لو وقعت فيه قطرة من لبن أو غيره من المائعات لم يزل عنه حكم الماء لوجود الغلبة ولأن تلك الأجزاء مغمورة مستهلكة فحكم النجاسة إذا حلت الماء حكم سائر المائعات إذا خالطته قيل له هذا خطأ لأن المائعات كلها لا يختلف حكما فيما تخالطها من الأشياء الطاهرة وإن الحكم للغالب منها دون المستهلكات المغمورة مما خالطها وقد اتفقنا على أن مخالطة النجاسة اليسيرة لسائر المائعات غير الماء تفسدها ولم يكن للغلبة معها حكم بل كان الحكم لها دون الغالب عليها من غيرها فكذلك الماء فإن كان الماء إنما يكون مطهرا للنجاسة لمجاورته لها فواجب أن يطهرها بالمجاورة وإن لم يكن غامرا لها وإن كان إنما يصير مطهرا لها من أجل غموره لها وغلبته عليها فقد يكون سائر المائعات إذا خالطتها نجاسة غامرة لها وغالبة عليها وكان الحكم مع ذلك للنجاسة دون ما غمرها ويدل على صحة قولنا ما اتفقوا عليه من تحريم استعماله عند ظهور النجاسة فيه فالمعنى أنه لا نصل إلى استعماله إلا باستعمال جزء من النجاسة وأيضا العلم بوجود النجاسة فيه كمشاهدتنا لها كما أن علمنا بوجودها في سائر المائعات كمشاهدتنا لها بظهورها وكالنجاسة في الثوب والبدن العلم بوجودها كمشاهدتها واحتج من خالف في ذلك بحديث أبى سعيد الخدري أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن بئر بضاعة وهي تطرح فيه عذرة الناس ومحائض النساء ولحوم الكلاب فقال إن الماء طهور لا ينجسه شيء وبحديث أبى بصرة عن جابر وأبى سعيد الخدري قالا كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر فانتهينا إلى غدير فيه