فإن قلت : إنّ ينباع : يفعال ، وينحاز : ينفعل ، وأصله ينحوز ، فكيف يجوز أن تشبّه ألف يفعال بعين ينفعل؟
فالجواب : أنّا إنما شبّهناه به شبها لفظيا ، فساغ (١) لنا ذلك ، ولم نشبّهه شبها معنويا ، فيفسد ذلك علينا ، على أن الأصمعي قد ذهب في ينباع إلى أنه ينفعل ، وقال : يقال : انباع الشجاع ينباع انبياعا إذا انخرط من الصف ماضيا ، فهذا ينفعل لا محالة لأجل ماضيه ومصدره ، لأن انباع لا يكون إلا انفعل ، والانبياع لا يكون إلا انفعالا.
وأنشد الأصمعي ، وقرأته على أبي سهل أحمد بن محمد عن أبي العباس محمد بن يزيد:
يطرق حلما وأناة معا |
|
ثمّت ينباع انبياع الشّجاع (٢) |
فإذا جاز أن يعتقد في ينباع أنه ينفعل ، فهو بأن يقوى شبهه ، وهو يراد به يفعل ، بينفعل نحو ينحاز وينقاد أجدر. وهذا الشبه اللفظي أكثر من أن أضبطه لك ، فكذلك جاز أن تشبّه اللام لما دخلت الهمزة عليها فكثّرتها في اللفظ بما جاء من الحروف على حرفين نحو : هل ، وقد ، ولو ، وكما جاز الوقوف عليها مع التذكر لما ذكرناه من مشابهتها قد ، وبل ، كذلك جاز أيضا قطعها في المصراع الأول ومجيء ما تعرّف بها في المصراع الثاني نحو ما أنشدناه لعبيد ، وما جرى مجراه.
__________________
(١) فساغ : أي طاب وهنؤ.
(٢) ذكر عجز البيت صاحب اللسان في مادة (ب وع) (٨ / ٢٣) دون أن ينسبه ، بينما نسبه المفضل الضبي إلى السفاح بن بكير اليربوعي. يطرق : يدخل فيه ويستغرق من باب دخل فهو طارق. مادة (ط ر ق). لسان (١٠ / ٢١٧) حلما : حلم حلما أي تأنى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوة ، والحلم العقل أيضا. أناة : الحلم والوقار. القاموس المحيط (٤ / ٣٠١) مادة / أنى. انبياع : ينباع ، انبياع أي يتحرك ويتقدم الصف. لسان العرب (٨ / ٣٤٥) مادة / نبع. الشجاع : الجريء المقدام (ج) شجعان. مادة (ش ج ع). القاموس المحيط (٣ / ٤٣). الشاهد في البيت إشباع فتحة الباء فتحول الإشباع بالفتح إلى ألف فأصبحت : ينباع ، انبياع. إعراب الشاهد : ينباع : فعل مضارع مرفوع لأنه لم يسبقه ناصب أو جازم.