ألا ترى أن بعضها مضموم إلى بعض ملحق به ، أنشدنا أبو علي (١) :
اطلب أبا نخلة من يأبوكا |
|
فقد سألنا عنك من يعزوكا |
إلى أب فكلّهم ينفيكا (٢) |
على أنهم قد قالوا أيضا : «عزيته إلى أبيه» فالأصل في «عزة» على هذا «عزية». وإن وجدت فسحة ، وأمكن الوقت عملت بإذن الله تعالى كتابا أذكر فيه جميع المعتلات في كلام العرب ، وأميّز ذوات الهمز من ذوات الواو ومن ذوات الياء ، وأعطي كل جزء منها حظه من القول مستقصى إن شاء الله تعالى.
وذكر شيخنا أبو علي أن بعض إخوانه سأله بفارس إملاء شيء من ذلك ، فأملّ منه صدرا كبيرا ، وتقصّى (٣) القول فيه ، وأنه هلك في جملة ما فقده وأصيب به من كتبه. وحدثني أبو علي أنه وقع حريق بمدينة السّلام ، فذهب له جميع علم البصريين ، قال : وكنت كتبت ذلك كله بخطي ، وقرأته على أصحابنا ، فلم أجد في الصندوق الذي احترق شيئا البتة إلا نصف كتاب الطلاق عن محمد بن الحسن ، فسألته عن سلوته وعزائه عن ذلك ، فنظر إليّ متعجبا ، ثم قال : بقيت شهرين لا أكلّم أحدا حزنا وهما ، وانحدرت إلى البصرة لغلبة الفكر عليّ ، وأقمت مدة ذاهلا متحيرا.
__________________
(١) نسبت الأبيات لبخدج وإلى شريك بن حيان العنبري يهجو أبا نخيلة كما في اللسان مادة (أبى) (١٨ ص ٨) ، وهي بغير نسبه في التمام (ص ١٩٨).
(٢) أبا نخلة : الشخص المهجو. يأبوكا : يكون لك أبا. يعزوكا : ينسبك إليه. ينفيك : يرفض نسبتك له. يقول : اطلب أبا نخلة أبا ينسبك إليه فالكل قد تبرأ منك. الشاهد في قوله «يعزوكا» فهو دليل على أن أصل «عزه» عزوة بالواو لورودها في الفعل. إعراب الشاهد : يعزو : فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة ، والفاعل : ضمير مستتر تقديره هو يعود على الموصول قبلها ، والكاف : ضمير مبني في محل نصب مفعول به. والجملة من الفعل «يعزو» والفاعل «المستتر» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
(٣) تقصي : تتبع. لسان العرب (١٥ / ١٨٦) مادة / قصا.