وقالوا أيضا في تكسير «الفلك» : «الفلك» فكسروا «فعلا» على «فعل» وله نظائر ، فمجيء الجمع على لفظ الواحد يدل على قلة حفلهم بالفرق بينهما من طريق اللفظ ، وأنهم اعتمدوا في الفرق على دلالة الحال ومتقدّم ومتأخّر الكلام.
فإن قلت : فهلا اقتصروا في تصحيح جمع «برة» و «ظبة» ونحوهما على الألف والتاء ، فقالوا : «برات» و «ظبات» و «قلات» فأوضحوا عن الواحد بوجود لفظه في الجمع ، ولم يقدموا على جمع ذلك بالواو والنون وإدخال المؤنث غير العاقل على جمع المذكر العاقل؟
فالجواب : أنهم لو فعلوا ذلك وهم يريدون به التعويض من المحذوف لم تكن فيه دلالة على ما أرادوه ، ولا شاهد لما قصدوه ، وذلك أن كل مؤنث بالهاء فلك أن تجمعه بالتاء ، نحو «ثمرة وثمرات» و «سفرجلة وسفرجلات» محذوفة كانت أو تامة ، فلو اقتصروا في تعويض «ثبة» و «قلة» ونحوهما على أن يقولوا «ثبات» و «قلات» لما علم أن ذلك للتعويض ، ولظنّ أنه كغيره من الجمع بالألف والتاء مما لم يحذف منه شيء ، ولكن لما أرادوا إعلام التعويض أخرجوه عن بابه ، وألحقوه بجمع المذكر العاقل ليعلم أن الذي عرض له وتجدّد من حاله ، إنما هو لأمر أرادوه فيه ليس في غيره مما لم يجمع بالواو والنون من المؤنث ، وهو ما لم يحذف منه شيء ، نحو «جوزة» و «رطبة».
ويؤكد ذلك عندك أنهم إذا جمعوا بالتاء قالوا في جمع «سنة» : «سنوات» وإذا حذفوا قالوا : «سنون» فكانت الواو في «سنون» عوضا منها في «سنوات» ، وهذا واضح ، وذلك عادة منهم متى أرادوا أن يعلموا اهتمامهم بأمر وعنايتهم به أخرجوه عن بابه ، وأزالوه عما عليه نظائره.
من ذلك منعهم فعل التعجب و «حبّذا» و «نعم» و «بئس» و «عسى» من التصرف ، وتذكيرهم نحو «نعم المرأة هند» وإن كانوا لا يقولون : «قام ذا المرأة» وقد حملهم اعتمادهم هذا الباب وعنايتهم به أن سمّوا ما فاق في جنسه وفارق نظائره خارجيّا ، قال طفيل (١) :
__________________
(١) هو طفيل الغنوي شاعر مجيد عرف بالفصاحة والبيت في ديوانه (ص ٢٦).