فليست النون في «الأربعين» حرف إعراب ، ولا الكسرة فيها علامة جرّ الاسم ، وإنما هي حركة التقاء الساكنين ، وهما الياء والنون ، وكسرت على أصل حركة الساكنين إذا التقيا ، فلم تفتح كما تفتح نون الجمع لأن الشاعر اضطر إلى ذلك لئلا تختلف حركة حرف الروي في سائر الأبيات ، ألا ترى أن فيها (١) :
أخو خمسين مجتمع أشدّي |
|
ونجّذني مداورة الشّؤون (٢) |
ويدلك على أن الكسرة في نون «الأربعين» ليست جرا ، وأنها كسر التقاء الساكنين قول ذي الإصبع (٣) :
إنّي أبيّ أبيّ ذو محافظة |
|
وابن أبيّ أبيّ من أبيّين (٤) |
ف «أبيّون» جمع «أبيّ» مثل «ظريفين» من «ظريف» فكما لا يشكّ في أن كسرة نون «أبيّين» إنما هي لالتقاء الساكنين لأنه جمع تصحيح مثل : «الزيدين» و «العمرين» كذلك ينبغي أن تكون كسرة نون «الأربعين».
وكذلك قول الآخر (٥) :
__________________
(١) البيت في الأصمعيات (ص ١٩) وهو يلي الشاهد السابق. اللسان (٣ / ٥١٣) مادة / نجذ.
(٢) نجذني : حنكني وعرفني الأشياء. لسان العرب (٣ / ٥١٣) مادة / نجذ. مداورة : معالجة. لسان العرب (٤ / ٢٩٧) مادة / دور. الشؤون : الأمور. ومجتمع الأشد : كناية عن كمال قوى البدن والعقل. لقد بلغت الخمسين وتحنكت وما حنكني إلا كثرة التجارب في حياتي من معالجتي لشئوني. والشاهد في قوله : الشؤون : فقد جاءت مكسورة مما يؤكد أن كسر نون الأربعين في البيت السابق كان ضرورة شعرية كي يتوافق حركة حرف الروي. إعراب الشاهد : الشؤون : مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
(٣) البيت لذي الإصبع العدواني كما نسبه صاحب المفضليات ، وابن منظور. اللسان (١٤ / ٥).
(٤) أبى : أرفض الذل. لسان العرب (١٤ / ٥) مادة / أبى. ذو محافظة : صاحب دفاع عن أهلي وعشيرتي. وكذلك ذو حفيظة. اللسان (٧ / ٤٤٢). إنني كريم عزيز أرفض الذل وهذه الصفة ورثتها عن آبائي. والشاهد : بينه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد : أبيين : اسم مجرور بـ «من» وعلامة الجر الياء.
(٥) البيت للفرزدق كما في الكامل للمبرد (٢ / ١٠٧).