ولقد يتوجه على هذا عندي قول الشاعر (١) :
هجوت زبّان ثم جئت معتذرا |
|
من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع (٢) |
فكأنه أراد «لم تهج» بحذف الواو للجزم ، ثم أشبع ضمة الجيم ، فنشأت بعدها واو ، ويجوز أيضا أن يكون ممن يقول في الرفع «هو يهجو» فيضم الواو ، ويجريها مجرى الصحيح. فإذا جزم سكّنها ، فتكون علامة الجزم على هذا القول سكون الواو من «تهجو» كما أسكن الآخر ياء «يأتي» في موضع الجزم ، فقال (٣) :
ألم يأتيك والأنباء تنمي |
|
بما لاقت لبون بني زياد (٤) |
فكأنه ممن يقول : «هو يأتيك» وسنذكر ذلك في حرف الياء بإذن الله تعالى.
وقد استعمل أبو تمام ـ وإن كان محدثا ـ ما ذكرناه من إشباع الضمة حتى نشأت بعدها واو ، وذلك قوله (٥) :
يقول فيسمع ، ويمشي فيسرع |
|
ويضرب في ذات الإله فيوجع (٦) |
فالواو في اللفظ بعد العين في «يسمع» إنما هي إشباع ضمة العين ، وذلك أن البيت لا يقفّى ولا يصرّع في وسط المصراع الأول ، وأما الواو بعد عين «يسرع» فواو
__________________
(١) البيت لأبي عمرو بن العلاء يخاطب الفرزدق عند ما جاء معتذرا من أجل هجو بلغه عنه.
(٢) هجوت : أي شتمه بالشعر ، وهو خلاف المدح. اللسان (١٥ / ٣٥٣). زبان : اسم أبي عمرو بن العلاء قائل البيت. يقول : لقد هجوتني ثم أتيت تعتذر إليّ فكأنك لم تهجني ولم تترك هجائي. والشاهد مجيء الفعل «تهجو» بالواو مع أنه في محل جزم وهذه الواو ليست واو الفعل وإنما هي إشباع لضمة الجيم. إعراب الشاهد : تهجو : فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة على رأي ، وقد أوضح المؤلف بالمتن الوجه الآخر.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق بيان البيت والشاهد فيه وإعرابه.
(٥) البيت من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري.
(٦) يقول فيسمع : كناية عن قوة الصوت. ويمشي فيسرع : كناية عن النشاط والقوة. والشاهد شرحه المؤلف بالمتن.