فإن سأل سائل فقال : ما بالهم اختاروا لها اللام دون سائر الحروف إذا كان الأمر كما ذكرت ، وهلا دعموها بالجيم أو القاف أو غيرهما من الحروف ، فقالوا : جا أو قا أو صا أو نحو ذلك؟
فالجواب : أنهم إنما خصوا اللام بها دون غيرها من قبل أنهم لما احتاجوا لسكون لام التعريف إلى حرف يقع الابتداء بها قبلها أتوا بالهمزة ، فقالوا : الغلام والجارية ، فكما أدخلوا الألف قبل اللام هناك كذلك أدخلوا اللام قبل الألف في «لا» ليكون ذلك ضربا من التعاوض بينهما.
فإن قيل : فلم أدخلت الهمزة قبل لام التعريف أصلا حتى قيس هذا عليه وعووض بينهما؟
فالجواب عن ذلك قد تقدم في حرف الهمزة من أول هذا الكتاب ، فالأصل في هذين الموضعين إنما هو لام المعرفة المدخلة عليها الألف ، ثم حملت الألف في إدخال اللام عليها على حكم لام المعرفة ، وذلك أن اللفظ أسبق مرتبة من الخط ، فبه بدئ ، ثم حمل الخط عليه.
واعلم أن هذه الألف ، أعني المدة الساكنة في نحو قام ، وباع وحمار ، وكتاب ، وغزا ، ورمى ، وحتّى ، وإلا ، وما ، ولا ، لا تكون أصلا في الأسماء المتمكنة ولا الأفعال أبدا ، إنما تكون بدلا أو زائدا ، فأما الحروف التي جاءت لمعان فإن الألفات فيها أصول ، وكذلك الأسماء المبنية التي أوغلت في شبه الحرف ، وسيأتيك ذلك مفصلا في أماكنه بإذن الله تعالى.
كون الألف أصلا
وذلك في عامة الحروف التي تقع الألف في آخرها ، نحو ما ، ولا ، ويا ، وهيا ، وإلا ، وحتى ، وكلّا ، فهذه الألفات وما يجري مجراها أبدا أصول غير زوائد ولا منقلبة. والذي يدل على أنها ليست بزوائد أن الزيادة ضرب من التصرف في الكلمة ، وجزء من الاشتقاق فيها ، وهذه الحروف كلها غير متصرفة ولا مشتقة ، فيجب أن تكون ألفاتها غير زائدة ، ألا ترى أنك لا تجد لـ «حتى» و «كلّا» اشتقاقا تفقد فيه ألفهما كما تجد لضارب ، وقاتل ، ومعزى ، وأرطى اشتقاقا تفقد في ألفهما ،