ونظير هذا الذي ذهب إليه أبو علي قولهم : «عقلته بثنايين» (١) ، ولو كانت ياء التثنية إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن تقلب الياء التي بعد الألف همزة ، فيقال : «عقلته بثناءين» وذلك لأنها ياء وقعت طرفا بعد ألف زائدة ، فجرت مجرى ياء «رداء» و «رماء» و «ظباء» (٢).
ونظير هذا قولهم في الجمع : هؤلاء مقتوون (٣) ، ورأيت مقتوين ، ومررت بمقتوين ، فلو كانت الواو والياء في هذا أيضا إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن يقال : هؤلاء مقتون ، ورأيت مقتين ، ومررت بمقتين ، ويجري مجرى «مصطفين».
فهذا كله يؤكد مذهب سيبويه في أن الألف والياء والواو حروف الإعراب في التثنية والجمع الذي على حد التثنية ، والقول فيهما من وجه واحد.
وأما قول أبي الحسن إن الألف ليست حرف إعراب ولا هي إعراب ، ولكنها دليل الإعراب ، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع ، وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم منصوب أو مجرور ، قال : ولو كانت حرف إعراب لما عرفت بها رفعا من نصب ولا جرّ ، كما أنك إذا سمعت دال «زيد» لم تدلك على رفع ولا نصب ولا جرّ ، فإنه غير لازم ، وذلك أنّا قد رأينا حروف الإعراب بلا خلاف تفيدنا الرفع والنصب والجر ، وذلك نحو : أبوك وأخوك ، وأباك وأخاك ، وأبيك وأخيك ؛ ألا ترى أن الواو حرف الإعراب ، وقد أفادتنا الرفع ، والألف حرف الإعراب ، وقد أفادتنا النصب ، والياء حرف الإعراب ، وقد أفادتنا الجر.
فأما قوله : إنها ليست بإعراب فصحيح ، وسنذكر ذلك في فساد قول الفراء والزيادي. فأما قوله : لو كانت الألف حرف إعراب لوجب أن يكون فيها إعراب هو غيرها كما كان ذلك في دال «زيد» ؛ فيفسد بما ذكرناه من الحجاج في هذا عند شرح مذهب سيبويه أوّل.
وبلغني أن أبا إسحاق قال منكرا على أبي الحسن أنها دليل الإعراب : إن الإعراب دليل المعنى ، فإذا كانت الألف تدل على الإعراب ، والإعراب دليل ، فقد
__________________
(١) عقلته بثنايين : عقلت يديه جميعا بعقالين ، والثناية حبل من شعر أو صوف. اللسان (١٤ / ١٢١)
(٢) من قوله (لو كانت الياء) إلى قوله (ظباء) نقله عن المصنف نصا ابن منظور.
(٣) مقتوون : الخدام واحدهم مقتوى.