وحدثنا أبو علي (١) ، قال : قال أبو العباس : لقي أبو زيد سيبويه ، فقال له : سمعت من العرب من يقول «قريت» و «توضيّت» ، فقال له سيبويه : كيف يقول منه يفعل؟ فقال : «أقرأ». فقال سيبويه : لا ، ينبغي أن يقول : «أقري».
يريد سيبويه بذلك أن هذا الإبدال لا قوة له ، ولا قياس يوجبه ، ولو كان على القياس لوجب أن تخرج الكلمة إلى ذوات الياء ، فيقول : «أقري» كما تقول : «رميت أرمي» ؛ ألا ترى أن البدل لما وجب في «جاء» ونحوه جرى لذلك نجرى «قاض» فاعرفه.
ونحو من هذا قول ابن هرمة (٢) :
إنّ السّباع لتهدى عن فرائسها |
|
والناس ليس بهاد شرّهم أبدا (٣) |
يريد : ليس بهادئ ، فأبدل الهمزة ياء ضرورة ، وجميع هذا لا يقاس إلا أن يضطر شاعر. وقالوا في «أعصر» ـ اسم رجل ـ «يعصر» فالياء بدل من الهمزة ، قال أبو علي : إنما سمي أعصر بقوله (٤) :
أبنيّ إنّ أباك شيّب رأسه |
|
كرّ الليالي واختلاف الأعصر (٥) |
__________________
(١) انظر / الحجة (٢ / ٩٦) مخطوط.
(٢) البيت في شعره (ص ٩٧) ولم يذكره صاحب اللسان.
(٣) يقول إن السباع لا تهدأ عن فرائسها كما أن الناس لا يهدأ شرهم أبدا. والشاهد فيه (لتهدى) حيث أبدل الهمزة ياء للضرورة وأصلها (يهادئ) وهذا مما لا يقاس عليه
(٤) هو أعصر بن سعد بن قيس عيلان ، والبيت في طبقات فحول الشعراء. وقد أطلق عليه (أعصر) بعد إنشاد هذا البيت. انظر طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي. وذكره صاحب اللسان بتحريف بسيط في قوله :
ابني إن أباك غيّر لونه |
|
كر الليالي واختلاف الأعصر. |
مادة (عصر) (٤ / ٥٨١).
(٥) الكر : الرجوع. اللسان (٥ / ١٣٥) مادة / كرر. والأعصر (ج) عصر ، وهو الدهر وتجمع على (عصور). والشاعر يحدث ابنه بأن الأيام والليالي المتوالية قد شيبت شعر رأسه. والشاهد فيه (أعصر) حيث أطلق اسم الدهر لقبا على الشاعر ولم تبدل الهمزة ياء.