وهذا الفصل هو الذي يلطف (١) فيه النظر ، ويحتاج إلى بحث وتأمل ، ونحن نقول في ذلك مما رويناه ورأيناه ما يوفق الله تعالى له إن شاء الله ، وبه الثقة.
اعلم أن هذه الحروف تأتي على ضربين :
أحدهما : ما هو ثنائي ، والآخر : ثلاثي.
ونبدأ بذكر الثنائي لأنه أسبق في مرتبة العدّة ، وذلك : با تا ثا حا خا را طا ظا فا ها يا ، وأما الزاي فللعرب فيها مذهبان : منهم من يجعلها ثلاثية ، فيقول : زاي ، ومنهم من يجعلها ثنائية ، فيقول : زي ، وسنذكرها على وجهيها.
وقد حكي فيها «زاء» ممدودة ومقصورة.
وأما الألف التي بعد اللام في قولك «لا» فقد ذكرنا حالها لم دخلت اللام عليها ، وأن ذلك إنما لزمها لما كانت لا تكون إلا ساكنة ، والساكن لا يمكن ابتداؤه ، وأنها دعمت باللام من قبلها توصلا إلى النطق بها ، ولم يمكن تحريكها فينطق بها في أول الحرف ، ويزاد عليها غيرها كما فعل ذلك بجيم قاف لام ، وغير ذلك مما تجد لفظه في أول اسمه ، فلم يكن بدّ في إرادة اللفظ بها من حرف تدعم به أمامها ، واختيرت لها اللام دون غيرها لما ذكرناه في حرف الألف.
فأما ما كان على نحو : با تا حا طا ، فإنك متى أعربته لزمك أن تمدّه ، وذلك أنه على حرفين الثاني منهما حرف لين ، والتنوين يدرك الكلمة ، فتحذف الألف لالتقاء الساكنين ، فيلزمك أن تقول : هذه طا يا فتى ، ورأيت طا حسنة ، ونظرت إلى طا حسنة ، فيبقى الاسم على حرف واحد ، فإن ابتدأته وجب أن يكون متحركا ، وإن وقفت عليه وجب أن يكون ساكنا ، فإن ابتدأته ووقفت عليه جميعا وجب أن يكون ساكنا متحركا في حال ، وهذا ظاهر الاستحالة.
فأمّا ما رواه سلمة عن الفراء عن الكسائي فيما أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى من قول بعضهم : «شربت ما» بقصر «ماء» ، فحكاية شاذة لا نظير لها ، ولا يسوغ قياس غيرها عليها.
__________________
(١) يلطف : يصغر ويدق. اللسان (٩ / ٢١٦) مادة / لطف.