ماء غور (١) ، ورجل عدل ، ثم صار التقدير : مررت بالرجل الفضل والعلاء ، ثم نقلته إلى العلم وفيه اللام ، فأقررتها فيه على أنه الشيء بعينه ، كما قال الخليل (٢) في الحارث والعباس.
وقد يجوز في العزّى أن تكون تأنيث الأعزّ بمنزلة الفضلى من الأفضل ، والكبرى من الأكبر ، والصغرى من الأصغر ، فإذا كان ذلك كذلك فاللام في العزّى ليست بزائدة ، بل هي فيها على حدّ اللام في الحارث والعبّاس والخليل. والوجه هو القول الأول وأن تكون زائدة ، لأنّا لم نسمع في الصفات العزّى كما سمعنا فيها الصغرى والكبرى.
فإن قلت : فإنا لم نسمعهم أيضا قالوا : رجل علاء ، ولا : مررت بالرجل العلاء ، وقد أجزت أنت أن تكون بمنزلة رجل عدل وفطر فإذا أجزت اعتقاد الصفة بالمصدر الذي ليس بصفة على الحقيقة ، وإنما هو واقع موقع الصفة الصريحة ، فأنت باعتقاد العزّى أن تكون صفة محضة جارية على الموصوف لأنها من أمثلة الصفات نحو الفضلى ، والكوسى ، والحسنى أجدر.
فالجواب أن اعتقاد الوصف في المصادر وإن لم تجر أوصافا مستعملة في اللفظ أجدر من اعتقاد مثال الصفة وصفا إذا لم يجر به استعمال ، وذلك أن المصدر ليس في الأصل مما سبيله أن يوصف به ، وإنما جرى في بعض المواضع وصفا على أحد أمرين : إما على اعتقاد حذف المضاف ، وإما على جعل الموصوف الذي هو جوهر عرضا للمبالغة ، ولو لا اعتقاد أحد هذين المعنيين لما جاز وصف الجوهر بالمصدر الذي هو عرض ؛ لأن حكم الوصف أن يكون وفق الموصوف ، وإذا كان الأمر كذلك فغير منكر أن يعتقد في ترك إجرائهم المصدر وصفا أنه إنما فعل به ذلك لأنه ليس مما سبيله في الحقيقة أن يوصف به ، ولذلك قلّ الوصف به في اللفظ ، واستنكر ، فغير خطأ أن يعتقد وصفا في المعنى وإن لم يخرج الوصف به إلى اللفظ ، والصفات الصريحة ليست كذلك لأنها مما حكمه وسبيله أن يستعمل في اللفظ صفة كما يستعمل في المعنى ، فترك إجرائهم الصفة الصريحة صفة في اللفظ يدل على أنهم قد هجروها صفة في المعنى ،
__________________
(١) ماء غور : أي ماء غائر ، والغور : كل منخفض من الأرض ، والغور من كل شيء قعره وعمقه.
(٢) قال الخليل : حكى ذلك عنه سيبويه في الكتاب (١ / ٢٦٧).