ألا ترى أن أول قولك «جيم» جيم ، وأول «طاء» طاء ، وهذا واضح.
فإن تكلفت أن تبني من الألف الساكنة في قولنا «لا» مثال «فعّلت» لم يمكنك ذلك حتى تتمّ الألف الساكنة ثلاثة أحرف ؛ لأنه لا يمكن الاشتقاق من كلمة على أقل من ثلاثة أحرف ، فيلزمك على ذلك أن تزيد على الألف ألفا أخرى ليكون الثاني من لفظ الأول ، كما أنك إذا سميت رجلا «لا» زدت على الألف ألفا أخرى ، وهمزتها لأنك حرّكتها لالتقاء الساكنين ، فقلت «لاء» وفي «ذا» : «ذاء» وفي «ما» : «ماء» فتزيد على الألف من «لا» وهي ساكنة كما ترى ألفا أخرى بعد أن تزيل اللام التي كانت الألف معتمدة عليها ؛ لأنك الآن إنما تريد تكميلها للبناء منها ، ولست تريد الآن أن تلفظ بها فتتركها مدعومة باللام من قبلها ، وإنما حذفت اللام لأنها زائدة ، والبناء أبدا من الأصول لا من الزوائد ، فيصيّرك التقدير إلى أن تجمع بين ألفين ساكنين ، وذا لا يمكنك اللفظ به لتعذّر الابتداء بالساكن ، إلا أنك تعلم أن هذا الذي أشكله الآن صورتهما ، وهو «أا» فيلتقي ألفان ساكنتان ، فلا يمكن الابتداء بالأولى منهما لسكونها ، فلا تخلو حينئذ من حذف إحداهما أو حركتها ، فلا يمكن الحذف لأنك لو حذفت إحداهما عدت إلى اللفظ بالواحدة التي عنها هربت ، فكان ذلك يكون مؤديا إلى نقض الغرض الذي أجمعته من تكميل الحرف بالزيادة فيه للبناء منه ، فلما لم يسغ الحذف وجب تحريك إحداهما ، فكانت الألف الأولى أولى بالحركة ليمكن الابتداء بها ، فلما حرّكت كان الكسر أولى بها إذ الحركة فيها إنما هي لالتقاء الساكنين ، فانقلبت همزة على حد ما قدّمناه من الألف إذا حركت قلبت همزة نحو : «شأبّة» و «دأبّة» وما أشبه ذلك.
فلما حركت الألف الأولى فقلبت همزة مكسورة انقلبت الألف الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، كما قلبت في نحو : «قراطيس» و «حماليق» جمع «قرطاس» و «حملاق» فصار اللفظ حينئذ «إي» فلما أردت التكملة زدت على الياء ياء أخرى ، كما أنك لو سمّيت رجلا بـ «في» زدت على الياء ياء أخرى ، فقلت هذا «فيّ» فصار اللفظ فيما بعد «إيّ».
فإن بنيت من «إيّ» هذا «فعّلت» كما قلت قوّفت قافا ، وكوّفت كافا ، وسيّنت سينا ، وعيّنت عينا ، وجب عليك أن تقول «أوّيت».