وفي تلك الأيّام ظهر تكذيب بموت النبي صلىاللهعليهوآله انتهى بأصحابه إلى الردّة ! أولئك « بنو عبد القيس » قوم من البحرين لمّا بلغهم نبأ وفاة النبي صلىاللهعليهوآله قالوا : لو كان محمّد نبيّاً لما مات ! وارتدّوا !! فجمعهم سيدهم الجارود بن المعلّى ، فقال لهم : إنّي سائلكم عن أمر فأخبروني به.. قالوا : سل عمّا بدا لك. قال : اتعلمون أنّه كان لله أنبياء في ما مضى ؟ قالوا : نعم. قال : تعلمونه أو ترونه ؟ قالوا : لا بل نعلمه. قال : فما فعلوا ؟ قالوا : ماتوا. قال : فإنّ محمّداً صلىاللهعليهوآله مات كما ماتوا ، وأنا أشهد ألّا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. فعادوا إلى رشدهم ودينهم (١).
ـ ثمّ اتخذ الغلوّ أشكالاً ، مختلفة ، وأصبح يؤلّف فرقاً وأحزاباً تتعصّب لمقولاتها أشدّ التعصّب حتّى تموت دونها ! وكان أبشع تلك المقولات ما انتهى إلى تأليه البشر وهدم النبوّة والإمامة.
كان أكثر أنواع الغلوّ خطراً على تاريخ الإسلام ومستقبله غلوّ المارقة ، الذي كان أساسه : السذاجة ، والسطحية في التفكير ، مع تطرّف شديد في ما يظنّونه الموقف الديني ! ذلك الذي بلغ بهم أن مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية مع أنه ليس في الأمّة أحد يجتهد في العبادة اجتهادهم ، كما وصفهم الحديث النبوي الشريف « تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم » !
فكان أوّل مظاهر سطحيّتهم في التفكير ، تأويلهم الفاسد لقوله تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ) (٢) فظنّوا أنّ تحكيم شخص في قضية بين اثنين شرك بالله تعالى !
_____________
(١) تاريخ الطبري ٣ : ٣٠٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٥٧.