لأنّه ( خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (١) ! هكذا دون تمييز بين إرادة تكوينية وإرادة تشريعية ، ولا معرفة صادقة بمعاني هيمنة الله تعالى وقدرته.
إنّ دعوة الاُمويّين لتثبيت دعائم الجبرية كانت السبب المباشر في ظهور الاتجاه العقيدي المعاكس الذي أنكر الجبر ، ونادى بحرية الاختيار الإنساني..
وفي نفس الموطن الذي نبتت فيه عقيدة الجبر وترعرعت نشطت العقيدة المعاكسة ، وإن كان أول ظهور لها في العراق على يد التابعي معبد الجهني ، وعنه أخذها صاحبه غيلان الدمشقي..
فكانت هذه العقيدة ردّ فعل صريح للقول بالجبر.. ففي أول لقاء لمعبد الجهني بالحسن البصري في البصرة ، قال له : يا أبا سعيد ، إنّ هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ، ويقولون : إنّما تجري أعمالنا على قَدَر الله !
فقال له الحسن البصري : كذبَ أعداءُ الله ! (٢)
وثار معبد على الاُمويين في حركة القرّاء أيام عبد الملك بن مروان ، فأخذه الحجّاج بعد فشل الحركة فعذّبه ثمّ قتله (٣).
ومضى غيلان في دمشق يشنّع على الاُمويين وأنصارهم في استنكار مقولتهم الجبرية ، حتّى أحسّ أنّهم طلبوه ، فهرب منهم حتّى زمن عمر بن عبد العزيز ، فلمّا رأى منه عدلاً كتب إليه كتاباً يذكّره فيه ويعظّم عليه مقولة سَلَفه ، مما جاء
_____________
(١) سورة الصافّات : ٣٧ / ٩٦.
(٢) اُنظر : تطوّر تفسير القرآن : ١٠١.
(٣) البداية والنهاية ٩ : ٤٣.