فيها ، قوله : « هل وجدتَ يا عُمر حاكماً يعيبُ ما يصنع ؟ أو يصنع ما يُعيب ؟ أو يعذّب على ما قضى ؟ أو يقضي ما يُعذِّب عليه ؟! أم هل وجدتَ رحيماً يكلّف العباد فوق الطاقة ؟ أو يعذّبهم على الطاعة ؟! أم هل وجدت عدلاً يحمل الناسَ على الظلم والتظالم ؟ وهل وجدتَ صادقاً يحمل الناس على الكذب والتكاذب ؟! كفى ببيان هذا بياناً ، وبالعمى عنه عمى ! (١)
فدعاه عمر بن عبد العزيز فسأله عن عقيدته ليناظره فيها ، وكان عمر جبرياً ، وكان من وراء عمر حاجب له يشير إلى غيلان بالذبح ! فعلم غيلان أنّ عمر قد عزم على قتله ، فأجابه إلى ما أراد ، وقال له : « لقد جئتك ضالاً فهديتني ، وأعمى فبصّرتني ، وجاهلاً فعلّمتني ، والله لا أتكلّم في شيء من هذا الأمر » ! (٢) لكنّه عاد إلى الكلام فيه بعد موت عمر ، حتّى قبض عليه هشام بن عبد الملك فقتله بعد مناظرة قصيرة أدارها معه الأوزاعي بدعوة من هشام لتكون ذريعةً إلى القتل الفوري (٣).
والخطأ الذي ارتكبه هؤلاء أنّهم حين قالوا بالإرادة والاختيار فوّضوا كلّ شيءٍ إلى الإنسان ونفوا كلّ أثر لمشيئة الله تعالى وإذنه ، ففرّطوا في مشيئة الله في مقابل إفراط الجبريين الذي عطّلوا أيّ دور وأثر للإنسان في أقواله وأفعاله !
وانتقل هذا المذهب من معبد وغيلان إلى المعتزلة ، فبقي ببقائهم ، ثمّ اضمحلّ باضمحلالهم.
_____________
(١) المذاهب الإسلامية : ١٨٨.
(٢) مختصر تاريخ دمشق ٢٠ : ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٣) راجع : مختصر تاريخ دمشق ٢٠ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، المذاهب الإسلامية : ١٩٠.