ـ أمّا ما يتناقله أصحاب الفِرَق وتواريخها من نسبة هذه المقولة إلى النصارى وأنّ معبد الجهني أخذها من رجل نصراني ، فهو كلام ليس له قيمة علمية ، ولا يعدو كونه لوناً من ألوان التراشق بالتُّهم بين الخصوم ، مع ملاحظة أنّ هذا الفريق كان يواجه تيار السلطة وأنصارها !
ولهذا السبب نفسه تجد كتب الحديث مليئة بالأحاديث التي تؤيّد عقيدة الجبر ، وتحذّر من « القدرية » ومقولتهم في نفي القدر ! وتعدّت الأحاديث تسمية القدرية إلى تسمية غيلان الدمشقي باسمه الصريح ونسبته الدمشقية ، تدينه وتحذّر منه ، وتثني على وهب بن منبّه الذي كان يخاصمه دفاعاً عن عقيدة السلطان (١) !! الحديث يقول : « سيكون في اُمّتي رجلان : أحدهما يقال له وهب ، يؤتيه الله الحكم ، والآخر يقال له غيلان هو شرّ على اُمّتي من إبليس » (٢) !!
بل ولهذا السبب نفسه لُقّب هؤلاء بالقَدَرية وهم نفاة القَدَر ، وهذا اللقب أولى أن يطلق على من أثبت القدر اللازم ، وسرّ ذلك أنّ القويّ المتغلّب لمّا علم بالحديث المروي في ذكر مجوس هذه الاُمّة وقد سمّاهم (القدرية) سارع إلى تطويق خصومه به والاحتيال في تبريره (٣) ! وسوف تأتي شهادة الإمام علي عليهالسلام أنّ القدرية الذين شبّههم الحديث بالمجوس إنّما هم القائلين بالجبر ، والذين سُمّوا جبرية ! (٤).
_____________
(١) الطبقات الكبرى / ابن سعد ٥ : ٥٤٣ ـ دار صادر ـ بيروت ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٥٤٦.
(٢) اُنظر : دلائل النبوة / البيهقي ٦ : ٤٩٦ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ١٩٨٥ م.
(٣) راجع ص ٤٣ من كتابنا : تاريخ الإسلام الثقافي ـ مركز الغدير ـ ط ١ ـ ١٤١٧ هـ.
(٤) اُنظر : الملل والنحل : ٤٩.