إنّهم لم يعرفوا البابيّة (١) ، ولا البهائيّة (٢) ، ولا القاديانيّة (٣) ، بل لم يعرفوا اليزيديّة والعَدَوية التي نجمت في أواخر القرن السادس الهجري ، وربّما أتى الزمان بعدهم بفرق جديدة اُخرى كالوهابية التي لم تدخل ـ وقتئذ ـ في حساباتهم.
وثَمَّ خطأ آخر قادهم إليه هذا الظنّ ، إذ وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى التوسّع في التفريع ، حتى عدّوا فِرقاً وميّزوها في حين لم تكن تملك شيئاً من مقوّمات الفِرقة المستقلّة ، وغالباً ما تكون قول رجل واحد أو بضعة رجال (٤).
وقد طعن الشهرستاني هذه الطريقة ، فقال : من المعلوم الذي لا مراء فيه أن ليس كلّ من تميّز عن غيره بمقالةٍ من عُدَّ صاحب مقالة ، وإلّا فتكاد تخرج المقالات عن حدّ الحصر والعدّ ، فلا بدَّ من ضابط في مسائل هي اُصول وقواعد يكون الاختلاف فيها اختلافاً يعتبر مقالةً ، ويُعدّ صاحبه صاحب مقالة (٥).
لكنّ الشهرستاني حين وضع هذا الضابط ، خرج عليه بالنحو الذي ينتهي بالفِرق إلى ثلاث وسبعين فرقة !! في حين أن بعضها لا يمتلك من الأصول
_____________
(١) فرقة أنشأها الميرزا علي بن محمّد الشيرازي سنة ١٨٤٣ م ، وهو آنذاك ابن تسع عشرة سنة ، وتلقّب بالباب.
(٢) فرقة أسّسها خليفة الباب صاحب البابيّة ، وتَلقَّب بالبهاء ، وتوفّي سنة ١٨٩٢ م.
(٣) فرقة أسّسها ميرزا غلام أحمد القادياني ، المتوفّى سنة ١٩٠٨ م.
(٤) اُنظر مثلاً : فِرق الشيعة / للنوبختي ـ من أعلام القرن الثالت الهجري ، الفرق بين الفِرق / للإسفرائيني (٤٢٩ هـ).
(٥) الملل والنحل / الشهرستاني ١ : ٢١ ـ مكتبة الانجلو مصرية ـ القاهرة.