إلى طائفتين : الأولى هي طائفة السلطة الاُموية ، وهي التي عُرفت بالمرجئة الخالصة ، وأهل الإرجاء المحض.. والثانية بقيت على الإيمان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستوعبت باقي أقسام المرجئة من جبرية وقدرية وغيرهم.
من تمحيص الآراء المتضاربة يتحقّق أنّ أقدم ظهور للإرجاء ، بمعناه المشهور في الفصل بين الإيمان والعمل ، إنّما كان عند معاوية بن أبي سفيان وأصحابه ، ذلك إذا فسّرت أقواله على أساس الإيمان باليوم الآخر ، ولم تفسّر بحسب الظاهر الموحي أحياناً والصريح أحياناً اُخرى بالاستخفاف بإليوم الآخر وبالحساب !
فبمَ يُفسَّر قوله للأنصار ، وقد قالوا له : لقد أخبرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله بما لقينا ، فقد قال لنا : « ستلقون بعدي أثَرة » قال معاوية : بماذا أوصاكم ؟ قالوا : قال لنا : « فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض » فقال لهم معاوية : فاصبروا إذن !! (١)
بمَ يفسَّر هذا الكلام إن لم يكن هو الاستخفاف بوعد رسول الله صلىاللهعليهوآله وباللقاء وبالحساب ؟! فلئن عدنا إلى حساب الإيمان ، فإنّ معاوية أول من أظهر الاعتقاد بأنّ الإيمان لا يضرّ معه ذنب ومعصية ، فتمادى في المعاصي غير مكترث بشيء ، فلمّا قيل له : حاربتَ من تَعلم ! وار تكبتَ ما تعلم !! قال : وثقت بقول الله : ( إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ). (٢) !!
_____________
(١) النصائح الكافية : ١٢٥ عن ابن عبد البرّ.
(٢) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ٦ : ٣٢٥ ـ دار إحياء الكتب العربية ـ مصر ، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية / محمّد عمارة : ١٧٤ ، والآية من سورة الزمر : ٣٩ / ٥٣.