المادة نفسها ، أو أن لها وجوداً خارجاً عن المادة ؟ فإذا اعتبرها القائل بها أنها هي المادة ، فيستحيل عليه ( إذا كان باحثاً محققا ) أن يزعم أن تلك المادة هي المتطورة والمُطورة ، والصانعة والمصنوعة في آن واحد. فهل يجوز لنا مثلا أن ندعي أن مادة الخشب تصنع الكرسي بطبيعتها ، أو أن مادة الحديد تصنع السيارة بطبيعتها ؟ كلا ثم كلا. وكذلك لا يجوز لنا أن نتصور أو نحتمل أن مادة الكون هي التي أوجدت وأنشأت الكائنات بطبيعتها. ( فكر وتأمل ) ـ فلكل مصنوع صانع ، ولكل بناء بان ( كما مر ) وذلك من الأمور البديهية بالنسبة لخصائص المادة ـ فكما أن الذرات لها خصائص كيمياوية وفيزياوية لا تحيد عنها ، كذلك من خصائصها اللازمة لها منذ وجودها أنها لا تسير ولا تتغير ولا تتطور إلا بمؤثر خارج عنها. ولزيادة الإيضاح نقول إن مواد الصناعة والبناء لها خصائصها الطبيعية ، ولكن تلك الخصائص لم تكن هي المنتجة للمصنوعات والمنشآت ، بل يتم الإنتاج بأيدي العلماء والمفكرين والعمال الواعين المتعلمين.
فماذا تقول إذن ـ أيها القارئ العزيز ـ في المصنوعات الكونية والمنشآت العالمية التي لا تعد ولا تحصى .. من نبات وحيوان وجماد ، وقد أُتقن صنعها وأحكم إنشاؤها ؟ أليس ذلك دليلا قاطعاً على وجود خالق حكيم أنشأ تلك الموجودات ؟
ـ أنتهى شرح موضوع « الطبيعة » التي تُعتبر هي المادة. والآن نبحث عن الطبيعة التي تعتبر خارجة عن المادة ، فنقول إن هذا الاعتبار يكون على إحدى الصور التالية :
(أ) وجود الطبيعة مع المادة والعالم.
(ب) ظهورها بعد نشأة الكون.
(ج( كونها قبل خلق الموجودات والكائنات.
أما الصورة الأولى فغير معقولة ، وأما الصورة الثانية فمستحيلة ، بقيت