جالس فيها ( فاعتبروا يا أولى الألباب ) ثم خرج بعد ذلك من بلده فارا بدينه إلى ربه ، وسكن ( حرّان ) حوالي الشام ، فمكث بها ما شاء الله أن يمكث ، ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم إلى مصر وبها فرعون من الفراعنة الأولى ، وكانت زوجته « سارة » من أحسن النساء وأجملهن ، وكانت تقية مطيعة لزوجها ولا تعصيه في شيء ، وقد ذكر أن إبراهيم عليهالسلام قد أودع زوجته « سارة » في صندوق حين سفره ، وذلك غيرة عليها من إشراف أنظار الناس عليها ، فلما وصل إلى مصر أجبره فرعون أن يفتح الصندوق. فلما رأى زوجته بذلك الجمال الرائع أهوى إليها ليتناولها بيده ، فيبست يده إلى صدره. فلما رأى فرعون الجبار ذلك أعظم أمرها وقال : سلي ربّك أن يطلق يدي ، فوالله لا آذينك. فقالت « سارة » : « اللهم إن كان صادقا فأطلق له يده ». فأطلق الله يده. وقد فعل ذلك ثلاث مرات قصد أن يتناولها فيبست يده. روى أن إبراهيم عليهالسلام قال له : « إن الله غيور يحب الغيور ».
فكن أيها الزوج غيوراً على زوجتك ، ولا أقول لك أودعها في صندوق خشبي أو حديدي ، بل أودعها في صندوق العفة والحشمة لتكسب محبة الله وتأييده ونصره. ثم وهب فرعون مصر جارية اسمها « هاجر » إلى « سارة » إجلالاً لما رآه من مكانتها السامية عند الله تعالى ، وبعد ذلك وهبت ( سارة ) جاريتها « هاجر » إلى زوجها إبراهيم عليهالسلام » ، فقالت له : « إني أراها امرأه وضيئة فخذها لعل الله تعالى يرزقك منها ولداً ». وكانت سارة قد مُنعت الولد حتى أسنت (١) ، فتزوج
__________________
(١) اقتضت حكمة الله تعالى أن تلد « سارة » بعد ذلك « إسحاق » وكان عمرها تسعين سنة ، فسبحان الله لهذا الحدث الخطير الكبير ، جل جلاله وعظمت قدرته.