خلق من أجلها (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فليس في منهج الإسلام إذن معرفة لا تقود إلى العمل الصالح ، بل إنّ أحسن الناس عملا أكثرهم معرفة بربّه.
ويزداد الإنسان معرفة بربّه كلّما جال ببصره وبصيرته في الآفاق من حوله ، ففيها تتجلّى أسماء الخالق (قدرته وعظمته وتعاليه ..) وبالذات إذا كرّ ببصره مع عقله المرة بعد الأخرى ، في مظهر الخلق وجوهره ، وفي صلة بعضه ببعض ، حيث يتجلّى له ربه وجماله الذي عكس بعض آثاره في الكون بمظهره وجوهره ونظامه المتقن الذي لا يعتوره تفاوت ولا فطور. الآيات (١).
٢ ـ ولأنّ الكفر من الحجب التي تمنع المعرفة بالله ومن ثمّ خشيته بالغيب جاءت الآيات تذكّر الكافرين بعذاب الآخرة ، وتحذّرهم من التكذيب بالنذر ، كوسيلة لهزّ ضمائرهم وإخراجهم من غرور الكفر وغفلته ، إذ تضعهم أمام صور من عذاب الخزي في جهنم التي تكاد تتفجر من الغيظ ، وبصورة تجعل ذلك الغيب المستقبلي شهودا لمن يسمع أو يعقل ، مما يزرع خشية الله في النفس ، فهنالك تحوط الكافرين الحسرة ، ويغمرهم الندم على ما فرّطوا في جنب الله وما صاروا إليه من سوء العاقبة ، ولا يملك أحدهم إلّا الاعتراف بذنوبه دون أن يجد مبرّرا يتملّص به من المسؤولية أو يستر به الفضيحة ، وأنّى له ذلك وشهادة الله محيطة بكل شيء وهو عليم بذات الصدور؟! وكيف لا يعلم اللطيف الخبير بخلقه؟! الآيات (٦).
٣ ـ ثم يأتي السياق على الأفكار الشركية فينسفها نسفا ، لأنّها تدعوا الإنسان الاعتماد على الأنداد المزعومين ، والإعتقاد بأنّهم قادرون على تأمينه وحمايته ورزقه من دون الله ، باعتبارهم شركاء أو شفعاء أو أنصاف آلهة يؤثّرون على مشيئته سبحانه ، الأمر الذي يجعله لا يخشى ربه عزّ وجل. الآيات (١٥).
وبناء على الحقائق الثلاث المتقدمة يمكن القول بأنّ قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ