لبناء ولا لغيره (١) والمنظر صورة للحديث الشريف : «من أبدى صفحته للحق هلك» (٢) ، والآخر «من صارع الحقّ صرع» (٣) ، وإنّها لعاقبة كل من يكذّب بالحق ويتنكّب عن طريقه.
واللطيف في تعبير القرآن مخاطبته المباشرة «فترى» للرسول (ص) ومن خلاله كل تال للآيات ، وذلك أنّ الله لا يريد من نقل القصص مجرد المعرفة أو التسلية ، بل يريد من سامعها الاتعاظ والإعتبار ، والذي يتم بتخيّل القصص ومشاهدها والحضور في أحداثها وخلفيّاتها ، وبعبارة أخرى : أن يكون نفسه شاهدا عليها ، ولا شك أنّ القلب والعقل أعظم شهادة وحضورا ، والإنسان قادر على الحضور بهما ، ورؤية حتى الماضي والمستقبل ، فالخطاب هنا موجّه للأذن الواعية ، ثم يؤكّد ربنا بالتساؤل : أن قوم عاد أهلكوا جميعا ، فلم يبق منهم أحد.
(فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)
قيل : لم يبق لهم أثر من نفس وغيرها ، وقيل : بل المعنى لا ترى من نفس باقية فقط (٤) وهكذا حصروا الهلاك في النفوس لقوله تعالى عن قوم عاد : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) (٥) ، وهذا هو الأقرب.
إذن فتكذيبهم بالقارعة لم يغيّر من الحقائق الواقعية شيئا ، بل قرعتهم في الدنيا قبل الآخرة ، ونحن الذين نقف على أخبار الأقدمين يجب أن نتخذها حاقّة تكشف لنا عن سنّة الجزاء ، ومن ثم حقيقة الساعة والقيامة والبعث (الآخرة).
__________________
(١) مرّ بيان مفصل في معنى (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) في الآية ٢٠ من سورة القمر فراجع.
(٢) موسوعة بحار الأنوار / ج ٧٠ ص ١٠٧ عن الإمام علي (ع)
(٣) المصدر / ج ٧٧ ص ٤٢٠.
(٤) الدر المنثور والكشاف والرازي.
(٥) الأحقاف / ٢٥