[٩ ـ ١٠] ويضع السياق صورا أخرى تكشف عن ذات الحقائق : هيمنة الله على الحياة ، وسنّة الجزاء ، والآخرة .. وإنّما يكثر القرآن الأمثال لكي لا تبقى عندنا ذرّة شك أو شبهة أنّ تلك الحوادث كانت صدفة ، وبالتالي لكي يتعمّق في نفوسنا الإيمان بالله والجزاء.
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ)
أي بالقيم والأعمال البعيدة عن الحق والصواب ، كالظلم والعلو والشرك وادّعاء الربوبية ، وقد اختلف في الذين قبل فرعون إلى قولين : أحدهما : أنّهم الأمم والقرون التي سبقته وأهلكها الله ، والآخر ـ وهو صحيح أيضا ـ : أنّ فرعون كان حلقة من نظام سياسي كان يحكم مصر ، والذين قبله يعني الحلقات الأخرى منه ، قال الإمام الباقر (ع) في قوله : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ) : «يعني الثالث ومن قبله الأولين» (١) ، وإلى ذلك تشير الآثار والدراسات العلمية للتاريخ السياسي لمصر (٢) ، وربما الأولى الجمع بين الرأيين ، والقول بأنّ «من قبله» تشمل كلّ من كان قبل فرعون من ملوك مصر وغيرهم.
وأمّا «المؤتفكات» فهي قرى لوط التي جعل الله عاليها سافلها جزاء شذوذهم الجنسي ، ومشيتهم المقلوبة في الحياة ، حيث كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، وإنّما خصّ الله قوم لوط بالذكر مع شمول «من قبله» لهم لأنّهم من أظهر شواهد الانحراف ، ولعلّ أعظم الخطيئات التي جاءت بها تلك الأقوام هي اتباع المناهج والقيادات المنحرفة ، ومن ثمّ التكذيب برسالات الله ورسله.
__________________
(١) البرهان / ج ٤ ص ٣٧٥.
(٢) راجع كتاب (مدخل في علم السياسة) لمؤلفه بطرس غالي وزير داخلية مصر الأسبق ، ومدرس العلوم السياسية في جامعة القاهرة.